correoslista de correosrecibe automáticamente las actualizaciones a tu correosíguenos en tuitersíguenos en facebook siguenos en youtubesíguenos en Vimeo

enlaceZapatista

Palabra del Ejército Zapatista de Liberación Nacional

Nov022020

الجزء السادس: جبل في أعالي البحار

الجزء السادس: جبل في أعالي البحار
بيان صادر عن اللجنة الثورية السّرية للسكّان الأصليّين — القيادة العامة للجيش الزاباتيّ للتحرر الوطني.
المكسيك.

٥ تشرين أول٢٠٢٠

 

إلى المؤتمر الوطني للسكّان الأصليين-مجلس الحكومة للسكان الأصليين

إلى الوطنية والأممية السادسة

إلى شبكات المقاومة والتمرّد

إلى كل الأشخاص الصريحين الذين يقاومون من كل أركان المعمورة

أخواتنا، إخواننا، أخوانَتِنا:

رفيقاتنا، رِفاقنا، رِفاقاتنا:

         نحن الشعوب الأصلية من جذر المايا وزاباتا نحيّيكم ونقول لكم التالي وهو ما وصل إليه فِكرنا الجماعيّ بحسب ما نشاهده ونصغي إليه ونشعر به.

أولاً.— نشاهد ونصغي إلى عالم مريض في حياته الاجتماعية؛ مُفتتٍ إلى ملايين من البشر لا يعرفون بعضهم بعضاً ومشغولين برزقهم اليومي. لكنهم، أي البشر، متحدون تحت قهر نظام مستعد لأنْ يفعلَ أي شيء من أجل إرواء تعطشه للربح حتى حين بات واضحاً أن نهجه، أي نهج هذا النظام، يتعارض مع وجود كوكب الأرض.

         إن انحراف هذاالنظام ودفاعه الأحمق عن «التقدّم» و»الحداثة» يصطدم بواقع إجرامي: قتل النساء. إن قتل النساء ليس لديه لون ولا قومية، بل هو عالميّ. إذا كان من العبث أصلاً، ومن غير المعقول، أن يُلاحق المرء، وأن يُخفى وأن يُقتل، بسبب لون بشرته، عِرقه، ثقافته، ومعتقداته؛ فما بالك أن كونكِ امرأة يعني أن تُلحق بكِ عقوبة التهميش والموت.

         إنه تصعيد من الممكن توقعه بسهولة (التحرش، أولاً، ومن ثم العنف الجسدي، ومن ثم البتر، ومن ثم القتل)، وهو يحصل بمصادقةٍ صادرة عن حصانة بنيوية ومُجَذَّرة («الحق عليها»، «كان على جسمها تاتو»، «ما الذي كانت تفعله في ذلك المكان وفي تلك الساعة؟»، «أسمعتم كيف كانت لابِسة؟ فمن المتوقع أنّه حصل لها ذلك»).  ليس لقاتلي النساء أي منطق عدا منطق النظام. من بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، والأعراق المختلفة، والأعمار المتمدّدة منذ الطفولة المبكرة وحتى الشيخوخة، وفي مناطق جغرافية بعيدة الواحدة عن الأخرى، الجندر هو الثابت الوحيد. وليس بمقدور النظام أن يفسّر لذا العلاقة بين هذا الشأن وكل ما يحرزه، أي النظام، من «نموّ» و»تقدم». فبحسب احصائيات الموتى الفاحشة، كلما كان المجتمع أكثر «نموّاً» يزداد عدد ضحايا حرب الجندر هذه، وهي حرب حقيقية.

         وكأنها، أي «الحضارة»، تبشّرنا  نحن الشعوب الأصليّين: «إن الدليل على تخلّفكم يكمن في انخفاض معدل قتل النساء عندكم! عليكم بالمشاريع العملاقة، بالقطارات، بالمحطات الكهروحرارية، بالمناجم، بالسدود، بالمراكز التجارية، بمحلات الأجهزة الإلكترونية، بمحطة تلفزيون خاصة بكم… تعلّموا الاستهلاك! كونوا مثلنا!» وبعدها، تبشّرنا تلك «الحضارة»: «ومن أجل سداد دين كل هذا الدعم التقدّمي الذي نوفّره لكم، لا تكفيكم أراضيكم، ولا مياهكم، ولا ثقافاتكم، ولا كرامتكم. عليكم القيام بالواجب معنا، وهذا يعني أنّه عليكم والقضاء على حياة نسائكم!»[1]

ثانياً.— نشاهد ونصغي إلى طبيعةٍ مجروحة بالموت؛ طبيعةٍ، في احتضارها، تحذّر الإنسانية من أن الأسوأ الذي لم يأتِ بعد. من شأن كل كارثة «طبيعية» أن تعلن عن كارثة قادمة وتنسى —فالأمر مريح— أنها حصلت بفعل فاعل بشريّ.

         إن الموت والدمار لم يعدا ذلك الأمر البعيد والمحصور داخل حدود ما احتراماً للجمارك والمواثيق الدولية. من شأن الدمار الذي يحدث في أي ركن من أركان المعمورة أن يتردد صداه في الكوكب بأسره.

ثالثاً.— نشاهد ونصغي إلى الأقوياء وهم يتراجعون ويختبئون داخل ما يُسمى بالدول القومية ويحتمون بين جدرانها. في هذه القفزة المستحيلة إلى الخلف، تنبعث القوميات الفاشية، الشوفينيات التافهة، والثرثرة التي تصم الآذان. فيها، أي هذه القفزة إلى الوراء، نشاهد الحروب الآتية: حروب  تتغذى على التاريخ المزيف، والأجوَف، والكاذب؛ ذلك التاريخِ الذي يُترجم القوميات والأعراق إلى تفوِّق يستمد قوته من الموت والدمار. إنّنا نشاهدُ أن في البلدان المختلفة هناك نزاع بين القباطنة وبين من يطمح لخلافتهم، وفي الوقت ذاته يحاولون الإخفاء عن أنظارنا  أن السيّد، أن الرئيس، أن الذي يطلق الأوامر، هو نفسه وليس له جنسية عدا رأس المال. وفي الوقت ذاته أيضاً، تضعف المؤسسات الدولية متحولةً إلى مجرد اسماء، إلى تحف معروضة في متحف… أو إلى ما هو أتفه من ذلك حتى.

         في غضون الظلام والبلبلة اللذان يسبقان تلك الحروب الآتية نصغي إلى الهجمة ونشاهدها، إلى الحصار والملاحقة اللذان سيُفرضان على أي بصيص من الإبداع، والذكاء والعقلانية. في مواجهة الفكر النقدي، يحتاج الأقوياء إلى التعصّب؛ يطالبون به ويفرضونه. الموت الذي يزرعونه، يفلحونه، ويحصدونه ليس جسمانياً فحسب؛ بل يشمل أيضاً انقراض ذلك الأمر الذي يجعل من الإنسانية عالمية، أي الذكاء، وانقراض كل ما وصلت إليه الإنسانية وأنجزته. تنبعث، أو تُخترَع، تيّارات جديدة باطنية، علمانية كانت أو لم تكن، متخفية في صورة مٌوضات فكرية أو علمية زائفة. تبدوا الفنون والعلوم، في سياق من هذا النوع، وكأنها مجرد فعل يخضع للنشاط السياسي المناهِض.

رابعاً.— لم يُظهِر وباء الكوفيد-١٩ ضعف الإنسان فحسب، بل يظهر أيضاً جشع الحكومات القومية المختلفة وحماقتها، وكذلك يُظهر جشع وحماقة ما يُسمى بالمعارضة لهذه الحكومات. لقد تم احتقار الاجراءات والتدابير التي تتوافق مع أبسط معايير الفطرة السليمة وفق رهان ينص على أن الوباء قصير الأمد. في حين أخذ أمد المرض يطول شيئاً فشيئاً، أخذت الأرقام تحل محل المآسي. وهكذا أصبح الموت رقماً يضيع يومياً وسط الضجيج والتصريحات؛ أصبح الموتُ عاملاً قاتماً للمقارنة بين القوميات التافهة؛ أصبح الموت يعادل نسبةَ الركلات والأهداف النظيفة التي تحدد أي فريق، أو أمة، هو الأفضل أو الأسوأ.

         كما هو مُفصل في أحد بياناتنا السابقة، نحن مناصري الزاباتيّة لقد اخترنا الوقاية وتطبيق تدابير صحية وفق نصائح قدّمها لنا، في حينها، عالمات وعلماء استشرناهم. هؤلاء قدّموا لنا التوجيه وقدّموا لنا، دون أي تأتأة، المساعدة. نحن الشعوب الزاباتيّة ممتنون لهم، وقمنا بالتعبير عن ذلك في بلاغاتنا السابقة. الآن، وبعد ستة شهور منذ تطبيق هذه التدابير (الكمامة أو ما يعادلها، التباعد بين الناس، الحد من الاحتكاك بين الناس في المدن، الحجر الصحي مدة خمسة عشر يوماً لكل مَن تواجد بالقرب من مُصاب مُحتمل)، نأسف على وفاة ٣ رفاق كان ظهر عليهم عرضان أو أكثر لها علاقة بالكوفيد ١٩ وسبق وكانوا على احتكاك مباشر بمَن عُرفوا أنّهم كانوا مُصابين.

         وهناك ٨ رفاق آخرون ورفيقة واحدة توفّوا خلال هذه الفترة مِن مَن ظهرت عليهم الأعراض. بما أننا نفتقر إلى إمكانية إجراء الفحوصات، نفترض أن ١٢ رفيقاً هم مجموع الوفيات مِن ما يسمى بفيروس الكورونا (ينصحنا العلماء اعتبار أي صعوبة بالتنفس أنها ناتجة عن الكوفيد ١٩). هؤلاء الغائبون غائبون بمسؤوليتنا نحن. فهُم لم يكونوا ضحايا الانتقال الرابع[2] أو المعارضة، ولا النيوليبيراليين والمحافظين الجدد، ولا مدعي اليسارية أو مدعي البرجوازية. كلا، أولئك الغائبون لم يقعوا ضحايا المؤامرات والمكايد. نعتقد أنه كان علينا تشديد التدابير الاحتياطية أكثر مِمّا كانت عليه.

         في الوقت الراهن، وثقل غياب ١٢ رفيقاً من بيننا لا يزال علينا، قمنا بتحسين الاجراءات الوقائية في كل تجمعاتنا السكانية. في هذه المرة، نتلقى المساعدات من منظمات غير حكومية وعلماء يوجهوننا، بشكل فردي أو جماعي، في كيفية المواجهة، بثبات أكبر، موجة ثانية محتملة. لقد وُزعت عشرات الآلاف من الكمامات (والمصممة خصيصاً لمنع ناقل محتمل من أن يعدي أشخاصاً آخرين: سعرها منخفض، يمكن إعادة استخدامها ويصلح عملها في ظروف مختلفة) في كل تجمعاتنا السكانية. عشرات الآلاف من الكمامات الإضافية يتم انتاجها الآن في ورشات التطريز والخياطة التي يديرها المتمرّدون وفي القرى. إن الاستخدام الجماهيري للكمامات، والحجر لمدة أسبوعين للمصابين المحتملين بالعدوى، والتباعد وغسل الأيادي المستمر بالماء والصابون، وتجنب الخروج إلى المدن قدر الإمكان، كلها إجراءات نوصي بها حتى إخواننا المنتميين إلى الأحزاب،[3] وهذا من اجل احتواء انتشار العدوى والحفاظ على نمط حياتنا الجماعيّ.

         أما بخصوص تفاصيل هذه الاستراتيجية في الماضي والحاضر فسيكون ممكناً الاطلاع عليه في الوقت المناسب في المستقبل. أما الآن فنكتفي بالقول —والقلب بخفق في أجسادنا، ووفقاً لتقديراتنا (والتي قد نكون مخطئين فيها)— إن مواجهة الخطر كجماعة، وليس كأفراد، إن توجيه جهودنا الرئيسية من أجل الوقاية، هو الذي يسمح لنا بأن نقول، كشعوب زاباتيّة: نحن هنا، نقاوم، نعيش، نناضل.

         في كل العالم، الآن، يريد الرأس المال الكبير العودة إلى الشوارع، وهذا حتى يتمكن البشر من استئناف حياتهم كمستهلكين. فمشاكل السوق هي التي تسبب له، أي لرأس المال، القلق، أي الخمول الراهن في استهلاك البضائع.

         علينا أن نسترجع الشوارع، نعم؛ لكن هيّا بنا نسترجعها لكي نناضل. كما سبق وقلناها في السابق: إن الحياة، إن النضال من أجل الحياة، ليس مسألة فردية، بل جماعية. والآن نُشاهد أن المسألة ليست قوميةً حتى، بل عالمية.

-*-

         نشاهد ونصغي إلى الكثير من الأشياء من هذا القبيل، وما نفكّر به هو الكثير. لكن، هذا ليس كل شيء…

         خامساً.- نشاهد ونصغي أيضاً إلى المقاوَمات والتمرّدات التي —ليس لأنها أُسكِتَت أو نُسيَت— لم تعد رئيسية، وباتت تشكل دلائلاً على وجود إنسانية ترفض التبعيّة للنظام وهو يتقدّم بسرعة نحو الانهيار. إن قطار التقدم الفتّاك يتقدّم، متبختراً، لا تشوبه شائبة، نحو الجرف. والربان، في هذه الأثناء، ينسى أنه موظف آخر لا غير. الربّان يؤمن، بسذاجة، أنّه هو مَن يقرر مسار القطار، بينما كل ما يفعله هو مجرّد مواصلة دفع السكة الحديدية للقطار نحو الهاوية.

         مقاومات وتمرّدات، لا تنسى البكاء على غائبيها، ولكنّها تصرّ على النضال —هل تصدقون هذا؟— من أجل ذلك الأمر الأكثر عصيانيّةً في عوالمنا المقسمة بين نيوليبيراليين زمحافظين جدد: الحياة.

         تمرّدات ومقاومات تفهم —كل واحدة منها على طريقتها الخاصة، ووِفقاً لزمنها وجغرافيّتها— أن الحلول ليست في الحكومات القومية؛ تمرّدات وقوميّات لا تحتمي داخل رحم الحدود ولا ترتدي ملابس الاختلاف في الأعلام واللغات.

         تمردّات ومقاومات تعلّمنا نحن، ونحنُهُنَّ، ونحنهُمُنَّ، أي الزاباتيّين، أن الحلول قد تتواجد في القاع، في الأقبية، وفي أركان المعمورة. لا في القصور الرئاسية. لا في مكاتب الشركات الكبيرة.

         تمرّدات ومقاومات هي بمثابة شهادة على أنّه عندما يقوم الذين من فوق بتحطيم الجسور وإغلاق الحدود، فالذي يتبقى هو الإبحار عبر الأنهر والبحور لملاقاتنا. فالعلاج، إذا كان موجوداً أصلاً، هو عالمي، ولونه لون الأرض، لون العمل الذي يعيش ويموت في الشوارع والحارات، في البحور والسماوات، في الجبال وأحشائها. أن الكثيرين هم كحبّات الذّرة البلديّ بكل ألوانه، وأنساقه ونغماته.

-*-

         كل هذا، وأكثر، هو ما نشاهده ونصغي إليه. ونشاهد ونصغي إلى أنفسنا كما نحن: عدد لا يُعَد. فالحياة ليست مهمة، لا تُباع، ليست خبراً، لا تدخل الاحصائيات، لا تتنافس في الاستطلاعات، ليست ذا شأن في الشبكات الاجتماعية، لا تحرِّض، لا تمثِّل رأسَ مال سياسي، ليست علماً حزبيّاً، ولا ضجة بحسب الموضة. من الذي يهمّه أمرَ مجموعة صغيرة، صغيرة جدّاً، مجموعة من السكان الأصليين، من الهنود، يعيشون، أي يناضلون؟

         يُحكى أنّنا نعيش. فبالرغم من المرتزقة، والأوبئة، والمشاريع الضخمة، والأكاذيب، والافتراء والنسيان، نحن نعيش. أي نحن نناضل.

         وهذا الذي نفكّر فيه: أنّنا وما زلنا نناضل. أي أنّنا وما زلنا نعيش. ونفكّر في أنّه خلال كل هذه السنين تصلنا أحضان أخوية من أناس من بلدنا والعالم. ونفكّر في أن الحياة، هنا، إذا كانت تقاوم، وإذا كانت الحياة هنا بدون أي صعوبة تُنَوِّر، فهذا بفضل أولئك الأناس الذين تحدّوا المسافات، والاجراءات، والحدود والاختلافات الثقافية واللغوية؛ كل ذلك بفضلهنّ، بفضلهم، بفضلِهِمِنَّ —ولكن بفضلهنّ فوق كل شيء—، وهنّ يتحدَّيْن ويهزِمن التقويمات والجغرافيات.

         لقد وَجدت وتَجِد كل عوالم العالم قلوباً صاغية فينا، هنا في جبال الجنوب الشرق المكسيكي. إن كلمات عوالم العالم وأفعالها تشكّل غذاءً للمقاومة والتمرد اللذيْن، بدورهما، ليسا أكثر من استمرار لمقاومة أسلافنا وتمردهنّ.

         أناس وَجدوا، بواسطة العلم والفن اللذيْن اتخذوهما كطريقة، الوسيلة لاحتضاننا وتشجيعنا، حتى عن بُعد. صحفيّون، حُسَناء المظهر كانوا أم لا، كانوا أبلغوا عن البؤس والموت في الماضي، وعن الكرامة والحياة أبداً. أناس من جميع المهن والحرف، بزخَمٍ بالنسبة لنا، ربّما بالقليل بالنسبة لهم،  كانوا معنا، يكونون.

         وفي هذا كله نفكّر في قلبنا الجماعيّ، وها خطر على بالنا أنه قد حان الوقت الآن لأنْ نردّ نحن، نحنُهُنَّ، نحنهُمُنَّ على أذُن هذه العاولم وكلامها وحضورها، القريبة منّا جغرافيّاً، والبعيدة.

         سادساً.- وهذا ما قرّرناه:

      

        أنّه حان الوقت من جديد لترقص القلوب، وأنّه على موسيقاها وخطواتها ألا تكون موسيقى وخطوات البكاء والاستسلام.

         أن بعثات زاباتيّة متنوّعة، رجالاً ونساءً وغيرهُمُنَّ من لون الأرض، سنخرج لنجول العالم مشياً أو إبحاراً حتى التُربات، والبحار والسماوات البعيدة، باحثين لا على الاختلاف، ولا على التفوّق، ولا على الإهانة، وناهيك عن المعذرة من غيرنا وشفقتهم علينا.

         نحن ذاهبون لأن نجدَ ما يجعلنا متساويين.

         لا الإنسانيةَ فقط، والتي تفعم جلودنا المختلفة بالحياة، وأساليبنا المختلفة، ولغاتنا وألواننا المتنوّعة. بل أيضاً، وفوق كل شيء، أن نجدَ الحلمَ المشتركَ الذي، كجنس بشري، نشاركه جميعاً منذ أنْ انطلقنا من حضن الامرأة الأولى، في أفريقيا التي تبدو بعيدة، لأنْ نمشيَ. كان البحث عن الحرية هو الذي حرّض على اتخاذ تلك الخطوة الأولى… والمشي مستمر.

         أن تكونَ وجهتنا الأولى في هذه الجولة الكوكبية هي القارة الأوروبية.

         أن نبحرَ نحو الأراضي الأوروبية. أن نغادر وأن نبحرَ، من أراضٍ مكسيكية، في شهر نيسان من العام ٢٠٢١.

         أَنّنا، وبعد أن نجولَ أركان عدة من أوروبا من تحت وعلى اليسار، سنصل مدريد، العاصمة الإسبانية، يوم ١٣ آب من العام ٢٠٢١، أي ٥٠٠ عاماً بعد ما يُسمى بفتح هذه المنطقة التي تُعرف اليوم باسم المكسيك. وأنّنا، فورأ بعد ذلك، سنواصل طريقنا.

         أنّنا سنتكلم مع الشعب الإسباني. لن نتكلّم معه لتهديده، ولا لنعتب عليه، ولا لنهينه أو لنطالبه بشيء ما. لن نطالبه بأن يعتذر منا. لن نخدمه ولن يخدمنا.

         سنذهب ونقول لشعب إسبانيا شيئيْن مهميْن:

         أولاً: إنهم لم يفتحوا بِلادنا. ها نحن نواصل المقاومة والتمرّد.

         ثانياً: إنّه لا يوجد أي داعٍ لمطالبتهم بالمعذرة منا.[4] كفى لعباً بالماضي البعيد لتبريرِ، عبر الديماجوجية والنفاق، جرائم اليوم المستمرة، أي لتبريرِ اغتيال المناضلين الإجتماعيّين، مثل أخينا سمير فلوريس؛[5] لتبريرِ الإبادات المتسترة وراء المشاريع الضخمة التي تُصمّم وتُنفذ لإسعاد الأقوياء —نفسهم الذين يجلدون بسوطهم في كل أركان المعمورة—؛ لتبرير سياسات تعزيز المرتزقة عبر المال والضمانات بإفلاتهم من العقوبة؛ لتريرِ شراء الضمائر والكرامات بـ٣٠ قطعة نقدية.

         نحن، نحنُهُنَّ، نحنهُمُنَّ، الزاباتيّون، نرفض العودة إلى ذلك الماضي؛ لا نريد أن نعود إلى هناك، أي إلى الماضي، لوحدنا، ولا نريد أن نعود برفقة مَن يريد زرع العداوة العنصرية ويسعى إلى تغذية قوميته التي عفا عليها الزمن بالمجد المزعوم لإمبراطورية —أي إمبراطورية الأزتيك— كانت توسعت على حساب دماء أقرانها؛ برفقة مَن يريد إقناعنا بأن في سقوط تلك الإمبراطورية هُزمنا نحن شعوب هذه الأراضي الأصليّين.

         لا على الدولة الإسبانية ولا على الكنيسة الكاثوليكية أن يطلبا مِنّا المعذرة ولا ما يحزنون. لن نردّد صدى تلك الأصوات الزائفة التي تركَب دمائنا، وبذلك تخفي حقيقة أياديهم الملطخة بدمائنا.

         علامَ ستطلب إسبانيا المعذرة منّا؟ على أنها وَلدت سرفانتس؟ أو على خوسيه إسبرونسيدا؟ على ليون فيليبي؟ على فيديريكو غارسيا لوركا؟ على مانويل باسكيس مونتالبان؟ على ميغيل هرنانديس؟ على بيدرو ساليناس؟ على أنطونيو ماتشادو؟ على لوبي دي بيغا؟ على بيكير؟ على ألمودينا غرانديس؟ على بانشيتو بارونا، آنا بيلين، سابينا، سِرّات، إيبانييس، ياتش، أمبارانويا، ميغيل رِيّوس، باكو دي لوسيا، فكتور مانويل، آوْتي سييمبري؟ على بونويل، ألمودوفار، أغرادو، ساورا، فِرنان غوميس، فرنادو ليون، بارديم؟ على دالي، ميرو، غويا، بيكاسو، إل غريكو وبيلاسكيس؟ على أفضل فكر نقديّ خرج في التاريخ بختم شارة A الليبتارية؟ على الجمهورية؟ على المنفى؟[6] على أخونا وابن شعب المايا غونسالو غيرّيرو؟[7]

         علامَ ستطلب مِنّا المعذرة الكنيسة الكاثوليكية؟ على عبور بارتولومي دي لاس كاساس؟[8] على دون صاموئيل رويس غارسيا؟[9] على أرتورو لونا؟ على سيرخيو مينديس أرسيو؟ على الأخت تشابيس؟ على عبور الكهنة والأخوات الراهبات داخل الإكليريكية وخارجها والذين ساروا جنباً إلى جنب أهل البلاد الأصليين دون أن يرأسوهم أو يأخذوا مكانهم؟ على الذين خاطَروا بحريتهم وحياتهم من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان؟

-*-

         في العام ٢٠٢١ سيمر ٢٠ عاماً منذ مسيرة لون الأرض التي سِرناها، جنباً إلى جنب إخوتنا شعوب المؤتمر الوطنيّ للسكّان الإصليين، مطالبين بمكانٍ لنا في هذا الأمة الآخذة بالانهيار.

         بعد ٢٠ عاماً سنبحر ونمشي لنقول للمعمورة إن في هذا العالم الذي نشعرُ به في قلبنا الجماعي هناك مُتسع للجميع، للجميعات، للجميعينات. هكذا، ببساطة؛ فهذا العالم ممكن فقط إذا ناضلنا كلنا، كلّنات، كلّنانات، من أجل النهوض به.

         ستكون البعثات الزاباتية مُكونة معظمها من النساء. ليس لأنهن يردن الرد بالمثيل على الحضن الذي تلقّينه خلال اللقاءات الدولية السابقة. بل لكي، وفوق كل شيء، نوضّح نحن الرجال الزاباتيّون أنّنا نحن مَن نحن، ولسنا ما لسنا، بفضلهنّ، من أجلهنّ، وبرفقتهنّ.

         ندعو المؤتمر الوطني للسكّان الأصليّين-مجلس الحكومة للسكان الأصليّين أن يكوِّن بعثة لترافقنا، وهكذا ستكون كلمتنا أكثر إثراءً للآخر الذي يناضل بعيداً.  بشكل خاض ندعو إلى بعثة من الشعوب التي سترفع اسم الأخ سمير فلوريس سوبيرانيس عالياً، وصورته ودمه، لكي يصل ألمه، وغضبه، ونضاله ومقاومته أبعدَ.

         ندعو كل مَن لديه رسالة، التزام وأفق في الفن والعلم أن يرافقونا، عن بعد، في إبحارنا وخطواتنا. وهكذا يساعدونا على نشر فكرة أن فيهما، أي في الفن والعلم، تكمن امكانية نجاة ليس الإنسانية فحسب، بل العالم الجديد الذي نريده.

         باختصار: سنغادر إلى أوروبا في شهر نيسان من العام ٢٠٢١. في أي يوم بالضبط وفي أي ساعة؟ لا نعرف… بعد.

ـ*ـ

         أيها الرفاق، الرفيقات، الرفاقات:

         أيها الإخوة، الأخوات، الإخوَتات:

         إليكم عزيمتنا:

         في وجه القطارات الجبارة،[10] زوارقنا.

         في وجه محطات توليد الطاقات الكهربائية، مصابيحنا الصغيرة التي وهبتها النساء الزاباتيّات رعايةً للنساء المناضلات في كل العالم.

         في وجه الجدران والحدود، إبحارنا الجماعي.

         في وجه رأس المال الكبير، حقل ذرة نزرعه ونحصده جماعيّاً.

         في وجه دمار الكوكب، جبل يبحر في الفجر.

         نحن الزاباتيّون حاملون فيروس المقاومة والتمرد، وبهذه الصفة سنسافر إلى القارات الخمس.

         هذا كل شيء… حالياً.

من جبال الجنوب الشرق المكسيكي.

باسم النساء، الرجال وغيرهُمهُنَّ من الزاباتيّين.

السوبكومانداني إنسورخينتي مويسِس.

المكسيك، تشرين أول ٢٠٢٠.

ملاحظة: نعم، إنه الجزء السادس. مثل السّفر، سيُتبع بإتجاه عكسي؛ أي سيتبعه الجزء الخامس، وبعده الرّابع، وبعده الثالث، ومن ثم يأتي الجزء الثاني وسينتهي بالجزء الأول.

[1] بحسب احصائيات الدولة المكسيكية الرسمية، إن مع\ل حالات قتل النساء المسجلة في المكسيك منذ بداية العام ٢٠٢٠ هو ١٠ في اليوم (الهوامش للمترجم).

[2] الإشارة إلى الحكومة الحالية في المكسيك برئاسة أندريس منويل لوبيس أوبرادور. تعتبر حكومة أوبرادور أنها منفذة «الانتقال الرابع» بين حقبة تاريخية وأخرى في المكسيك؛ فبحسب رواية الحكومة التاريخية، حصل الانتقال الأول من حقبة تاريخية إلى أخرى  في حرب الاستقلال (١٨١٠-١٨٢١)، والثاني في حرب الإصلاح بقيادة بينيتو خواريس (١٨٥٨-١٨٦١) والثالث خلال الثورة المكسيكية أوائل القرن العشرين (١٩١٠-١٩١٧).

[3] الإشارة إلى السكّان الأصليين من شعوب المايا في شياباس المنتميين إلى الأحزاب السياسية الوطنية بكافة تياراتها في المكسيك. فالحركة الزاباتية، منذ أن أعلنت عن الحكم الذاتي في تجمعاتها في ولاية شياباس جنوب المكسيك في ليلة رأس السنة ١٩٩٤، باتت تشكل نمطاً سياسياً ونضالياً بديلاً ومستقلاً عن الأحزاب السياسية التقليدية من يمين ويسار، موالية للحكومة كانت أم معارِضة.

[4] إشارة للرسالة التي بعثها رئيس المكسيك الحالي، لوبيس أوبرادور، وهو ليس من سكان البلاد الأصليين، إلى ملك إسبانيا في مدريد والبابا في روما في أيّار ٢٠١٩، مطالباً إياهما بالاعتذار الرسميّ من المكسيك على غزوها في القرن السادس عشر.

[5] كان سمير فلوريس سوبيرانيس مزارعاً وقائداً اجتماعي من بلدة أملتسنغو (مُتكلِّمة لغة الناواتل) في ولاية موريلوس وعضواً في المؤتمر الوطني للسكان الأصليين. أغتيل يوم ٢٠ شباط من العام ٢٠١٩ في منزله على يد مجهولين.

[6] استقبلت المكسيك عدداً كبيراً من المنفيين الجمهوريين الإسبان إبان هزيمة الجمهوريّين الحرب الأهلية الإسبانية أمام الفاشيين في العام ١٩٣٩، وكانت الدولة الوحيدة التي دعمت الجمهورية الإسبانية رسمياً (إلى جانب الإتحاد السوفييتي) دون أي شروط.

[7] بحار إسباني استُعبد على يد شعوب المايا بعد أن غرق مركبه عند شواطئ شبه جزيرة يوكاتان  (شرق المكسيك). بعد تحرره من العبودية انضم إلى جيش المايا مقاتلاً في حملات التصدي للاجتياحات الإسبانية. يُقال أنه أغتيل خلال إحدى المعارك مع الإسبان عام ١٥٣٦.

[8] الأب بارتولومي دي لاس كاساس (توفي عام ١٥٦٦). عُيّن أسقفاً لشياباس عام ١٥٤٣. كان من مناصري حقوق السكّان الأصليين وإلغاء عبوديّتهم على الصعيدين الرسمي (أمام المملكة الإسبانية والكنيسة) والشعبي.

[9] الأب صاموئيل رويس غارسيا (١٩٢٤-٢٠١١). عُيّن أسقفاً لأبرشية سان كريستوبال دي لاس كاساس عام ١٩٥٩، وعمل وسيطاً أثناء مفاوضات السلام بين الجيش الزاباتي للتحرير الوطني والحزب الحاكم آنذاك في المكسيك والتي أفرزت «اتفاقية سان أندريس بخصوص حقوق السكان الأصليين وثقافتهم» العام ١٩٩٦.

[10] الإشارة إلى مشروع «قطار المايا» للحكومة المكسيكية لربط الأماكن السياحية في ولايتي يوكاتان وشياباس، شرق وجنوب المكسيك، والعاصمة المكسيكية، عبر قطار تدعي الحكومة أنّه سياحي ويمرّ بالأراضي التي يسكنها ويفلحها شعوب المايا.

 

ملف PDF

 

Share

No hay comentarios »

No hay comentarios todavía.

RSS para comentarios de este artículo.

Deja un comentario

Notas Importantes: Este sitio web es de la Comisión Sexta del EZLN. Esta sección de Comentarios está reservada para los Adherentes Registrados y Simpatizantes de la Sexta Declaración de la Selva Lacandona. Cualquier otra comunicación deberá hacerse llegar por correo electrónico. Para evitar mensajes insultantes, spam, propaganda, ataques con virus, sus mensajes no se publican inmediatamente. Cualquier mensaje que contenga alguna de las categorías anteriores será borrado sin previo aviso. Tod@s aquellos que no estén de acuerdo con la Sexta o la Comisión Sexta del EZLN, tienen la libertad de escribir sus comentarios en contra en cualquier otro lugar del ciberespacio.


Archivo Histórico

1993     1994     1995     1996
1997     1998     1999     2000
2001     2002     2003     2004
2005     2006     2007     2008
2009     2010     2011     2012
2013     2014     2015     2016
2017     2018     2019     2020
2021


Comunicados de las JBG Construyendo la autonomía Comunicados del CCRI-CG del EZLN Denuncias Actividades Caminando En el Mundo Red nacional contra la represión y por la solidaridad