correoslista de correosrecibe automáticamente las actualizaciones a tu correosíguenos en tuitersíguenos en facebook siguenos en youtubesíguenos en Vimeo

enlaceZapatista

Palabra del Ejército Zapatista de Liberación Nacional

Mar122021

الإعلان السادس لغابة لاكاندون

جيش زاباتيستا للتحرير الوطني

المكسيك

هنا كلمتنا البسيطة التي تسعى للمس قلوب المستضعفين والبسطاء من أمثالنا، بساطةٌ، مثل بساطتنا، لا تُنقِصنا كرامةً أو تمرّدًا. وهذه كلمتنا البسيطة لنذكّر بالطريق الذي سرنا عليه، وبما وصلنا إليه اليوم، ولنشرح للناس رؤيتنا للعالم ولبلادنا، ونعبر عما في أذهاننا مما ننوي فعله والطريق الذي نود أن نخطوه لتحقيق ذلك، ولندعو كل فرد للسير معنا في أمرٍ عظيمٍ جدًّا يسمى المكسيك وأمرٍ أعظم يسمى العالم. هذه كلمتنا البسيطة لِنُبلغ كل القلوب الصادقة والنبيلة بما نرغب به في المكسيك والعالم. وهذه كلمتنا البسيطة، لأنّ فكرتنا هي أن نناشد أمثالنا لنمصاحبهم أينما كانوا وحيثما ناضلوا.

أولًا: ما نحن

نحن زاباتيّو وزاباتيّات جيش زاباتيستا للتحرير الوطني، والبعض يسموننا «الزاباتيستا الجدد». نحن، زاباتيّو جيش زاباتيستا، انتفضنا انتفاضةً مسلحة في يناير/كانون الثاني 1994 لما رأيناه من تفشّي شرور أصحاب السلطة الذين أذاقونا الذل، ونَهبونا، وسَجنونا وقَتلونا، ولا أحد نبس بنبت شفة، ولهذا قلنا: «كفى!»، لن نسمح لهم بأن يهينونا بعد اليوم أو يعاملونا معاملةً لا تليق حتى بالحيوانات، وقلنا حينها إننا نريد الديمقراطية والحرية والعدالة لكل المكسيكيين، رغم تركيزنا على الشعوب الهنديّة، فقد صادف أن أغلبنا، في جيش زاباتيستا، ينتمي للأهالي الأصليين لتشياباس، ولكننا لم نرغب بالنضال لمصلحتنا الخاصة، أو لمصلحة الأهالي الأصليين لتشياباس وحدهم، أو حتى الاقتصار على مصلحة الشعوب الهندية بالمكسيك، بل أردنا أن نناضل مع كافة أقراننا المستضعَفين والبسطاء المعوزين والمعانين من استغلال ونهب الأغنياء وحكوماتهم هنا في المكسيك، وفي غيرها من بلدان العالم.

وتاريخنا الصغير يبدأ من ضيقنا ذرعًا من استغلال أصحاب السلطة، وتنظيمنا للدفاع عن أنفسنا والقتال لأجل العدالة، وفي البداية لم تكن أعدادنا كبيرة، كنّا قِلّة، نسير في هذا الطريق ونتحدث مع أمثالنا وننصت إليهم، وقمنا بذلك لسنين طويلة، في السر، ودون إحداث ضجيج، أو بعبارة أخرى: وحّدنا قوانا سِرًّا. وبقينا كذلك لمدة 10 سنوات، فازدادت أعدادنا، وأضحينا عدة آلاف، فدرّبنا أنفسنا خير تدريبٍ في السياسة والسلاح، وفجأةً، يوم عقدَ الأغنياءُ حَفلاتهم بيوم السنة الجديدة، نزلنا إلى مُدنهم وسيطرنا عليها، فتركنا رسالة للجميع بأننا هنا، وعليهم أن يتنبّهوا إلينا، فهرب الأغنياء وأرسلوا جيوشهم الضخمة لتصفيتنا، مثلما يفعلون دائمًا حينما يتمرّد المستغلَّون – يأمرون بتصفيتهم جميعًا. ولكن مساعي تصفيتنا باءت بالفشل، لأننا كنّا على أهبة الاستعداد، لا يوم الحرب فحسب بل قبله بوقتٍ طويل، فقد قوّينا أنفسنا في جبالنا، وحين قدمت الجيوش لتبحث عنّا وترمينا بالقنابل والرصاص، وكانت خطّتهم هي قتل كافة أبناء الشعوب الأصلية دفعةً واحدة، لأنهم لا يعرفون كيف يميّزون بين من كان زاباتيًّا ومن لم يكن، فكنّا نهرب ونقاتل، ونقاتل ونهرب، مثلما فعل أسلافنا قبلنا، دون يأس، دون استسلام، ودون انهزام.

وبعدها خرج أهالي المدن إلى الشوارع وأطلقوا صرخةً لإنهاء الحرب، وعندها أوقفنا حربنا، وأنصتنا لإخوتنا وأخواتنا من المدن الذين طلبوا منا محاولة الوصول إلى اتفاق أو معاهدة مع الحكومات الرديئة، لكي تُحَلّ المشكلة دون مجزرة، وقد أنصتنا إليهم لأنّهم ما نسمّيه «الشعب»، أو الشعب المكسيكي، ولذلك تركنا السلاح وحملنا الكلمة.

وصادف أن الحكومات قالت إنها ستُحسن التصرف حقًّا، وستدخل في حوار، وستعقد معاهدات، وستلتزم بها. قلنا حسنًا، ولكن قلنا يجب أن نعرف من هم هؤلاء الذين خرجوا إلى الشوارع لإنهاء الحرب، فأثناء حوارنا مع الحكومات الرديئة، كنا نتحدث مع أولئك الناس، ورأينا أن أغلبهم كانوا مستضعَفين وبسطاء مثلنا، وكلانا، هم ونحن، نعرف حقّ المعرفة سبب قِتالنا، وسمّينا هؤلاء الناس «المجتمع المدني» لأنهم لم ينتموا لأي حزب سياسي، فَهُم من العوام، أناس بسطاء ومستضعَفون.

ولكن، صادف أن الحكومات الرديئة لم ترغب بمعاهدة جيدة، بل كان فعلها مؤامرةً تقول فيها في العلن إنها ستحاورنا وتصل معنا لاتفاق، وتعدّ العدة في السر لتهاجمنا وتصفّينا تصفيةً كاملة، وبعدها شنّت عدة هجمات علينا، دون أن تهزمنا، ذلك لأننا قاومنا حق مقاومة، وحصلت تعبئة واسعة من كافة أرجاء العالم تضامنًا معنا، وحينها ظنّت الحكومات الرديئة أن المشكلة هي أنّ الناس كانت ترى ما يحصل مع جيش زاباتيستا، فصارت خطّتها هي إنكار ما يحصل والمسارعة بفرض الحصار علينا، وتضييق الخناق علينا أملًا في أنّ الناس، لأنّ جِبالنا حقًّا نائية، ستنسانا، لأنّ الأراضي الزاباتية بعيدٌ جدًّا، ومن بين الحين والآخر اختبرتنا الحكومات الرديئة وحاولت خداعنا ومهاجمتنا، كما حصل في شباط/فبراير 1995، حين وجّهت سيلًا مهولًا من الجيوش باتجاهنا، ولم يهزمونا، لأننا لم نكن وحيدين، لأن الكثيرين أعانونا، ولأننا قاومنا حقّ مقاومة.

وبعدها اضطرت الحكومة للقيام بمعاهدة مع جيش زاباتيستا، وسُمّيت «معاهدة سان أندرياس» لأن المحافظة التي وقعت فيها المعاهدة اسمها «سان أندرياس»، ولم نكن وحدنا في تلك الحوارات نتحدث مع شخوص الحكومات الرديئة، بل دعونا أناسًا ومنظماتٍ عدة كانت – أو ما تزال – منخرطة في النضال لصالح الشعوب الهندية للمكسيك، وقال كل طرفٍ كَلِمته، ووصلنا لاتفاقٍ حول كيفية الحديث مع الحكومات الرديئة، ولهذا لم يكن الحوار حوارًا ذو طرفين، الزاباتيستا من جهة والحكومات من جهة أخرى، إنما الشعوب الهندية للمكسيك، ومناصروها كانوا مع الزاباتيستا. وعندها قالت الحكومات الرديئة في تلك المعاهدة إنها ستعترف فعلًا بحقوق الشعوب الهندية للمكسيك، وستحترم ثقافتها، وستضع كل ذلك قانونًا في الدستور، ولكنها حالما وقعت المعاهدة تناستها، ومرت سنين طويلة ولم توفي المعاهدة البتة، بل العكس تمامًا، فالحكومة هاجمت الأهالي من الشعوب الأصلية لتثنيهم عن دعم النضال، مثلما فعلت في 22 ديسمبر/كانون الأول 1997، يوم أمرَ زيديو بقتل 45 رجل وامرأة وشيخٍ وطفل في بلدةٍ في تشياباس تسمى أكتيال، وهذه الجريمة لم تنسى أبدًا، وقد كشفت لنا نفاق الحكومات الرديئة وتستّرها وراء الكلمة لمهاجمة المتمردين والمتمردات ضد الظلم واغتيالهم. وأما نحن الزاباتيستا فقد بذلنا قصارى جهدنا في تلك الأثناء لإيفاء المعاهدة وللمقاومة في جبال جنوب شرقي المكسيك.

وبعدها شرعنا بالحديث مع الشعوب الهندية الأخرى للمكسيك وتنظيماتها، وعقدنا اتفاقًا معها بأننا سنناضل معًا لأجل القضية نفسها، للاعتراف بحقوقنا نحن الشعوب الأصلية وثقافتنا، بعونٍ من أناس عدة من كافة أرجاء العالم ومن أشخاص محترمين وكلمتهم قوية لأنهم من كبار المثقفين والفنّانين والعلماء من المكسيك ومن كافة أرجاء العالم. وعقدنا لقاءاتٍ أممية، أو بعبارة أخرى، دخلنا في حوار مع أناس من القارة الأمريكية وآسيا وأوروبا وأفريقيا وأوقيانوسيا، وتعلمنا من نضالاتهم وطرقهم، وأسميناها لقاءاتٍ «مَجرّية»، من باب الدعابة، ولأننا وجهنا الدعوة لأبناء الكواكب الأخرى، ولكن يبدو أنهم لم يأتوا، أو لعلّهم أتوا ولم يفصحوا عن ذلك.

ولكن الحكومات الرديئة لم تكن عند كلمتها، ولذا خططنا للحديث مع العديد من المكسيكيين ليساعدونا، ومن ثم، ابتداءً من 1997، أقمنا مسيرةً إلى مدينة مكسيكو تحت اسم «من الـ 1,111»، لخروج رفيقٍ أو رفيقةٍ من كل بلدةٍ زاباتية، لكن الحكومة الرديئة لم تكترث، وعندها في 1999، أقمنا مؤتمرًا استشاريًّا وطنيًّا، وفيه تبين أن الأغلبية متفقةٌ فعلًا مع مطالب الشعوب الهندية، لكن الحكومات الرديئة لم تكترث، وأخيرًا، في 2001، أقمنا ما أسميناها «المسيرة لكرامة الشعوب الأصلية» ناصرها الملايين من المكسيك والبلدان الأخرى، واتجهت إلى مكان النوّاب والممثلين، كونغرس الاتحاد، لنطالب بالاعتراف بالشعوب الأصلية المكسيكية.

ولكن ما حصل هو العكس، فسياسيّو الحزب الثوري المؤسساتي وحزب العمل الوطني وحزب الثورة الديمقراطية وصلوا إلى اتفاقٍ فيما بينهم، وببساطة قرروا رفض الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية وثقافتها، وكان ذلك في نيسان/أبريل 2001، إذ بيّن السياسيّون بوضوح افتقارهم لأيّ من مكارم الأخلاق، وأنهم خنازير شاغلها الوحيد هو ما تشفطه من ثمين الأموال مقابل عملٍ سياسيٍّ رديء، وهذا يجب ألا ينسى، لأنّكم سترون منهم اليوم من يقول إنّه سيعترف حقًّا بحقوقنا، لكنها محض كذبة يقولونها لكي نصوت لهم، وقد أعطيناهم الفرصة، ولم يكونوا عند كلمتهم.

وعندها رأينا بوضوح أن لا طائل من الحوار مع الحكومات الرديئة للمكسيك أو التفاوض معها، وأن التحاور مع السياسيين كان مضيعةً لوقتنا، فلا قلوبهم صادقة ولا كلمتهم نزيهة، ولا أمان لهم، فقد كذبوا بالقول، ونكثوا العهد، وبعبارة أخرى: حينما مرر سياسيّو الأحزاب الثلاث قانونًا لا جدوى منه، قتلوا الحوار وأنهوه، وأعلَمنا فِعلهم أن ما تعهدوا به ووقعوه لا قيمة له، لأنهم نكثوه، وعندها قطعنا كافة الاتصالات مع فروع الحكومة الفيدرالية، لأننا أدركنا أن الحوار والتفاوض فشل نتيجة تلك الأحزاب السياسية، ورأينا أنّ دماءنا وأرواحنا ومعاناتنا، وتعبئتنا واستشاراتنا وجهودنا، والبيانات الوطنية والدولية واللقاءات والمعاهدات والتواقيع والالتزامات، لا قيمة لها في أعينهم. وبهذا لم تكتفي الطبقة السياسية بإغلاق الباب مرةً أخرى في وجه الشعوب الهندية، بل أنزلت الضربة القاضية على أي حلٍّ سلميٍّ – عبر الحوار والتفاوض – للحرب. وليس منا من سيصدق بعد اليوم أن المعاهدة سيوفيها أي شخصٍ يأتي بهذا القول أو ذاك، والكل يجب أن يرى ذلك ويتعلم من تجربتنا.

وحين رأينا كل ذلك، جالت قلوبنا حول الخطوة التالية.

أول ما لحظناه هو أن قلوبنا لم تعد كما كانت حينما بدأنا نضالنا، فقد كَبُرَت، لأننا الآن لمسنا قلوب العديد من الناس الطيبة، ولاحظنا أن ألم قلوبنا احتدّ وجرحها توغل، لا، ليس جرح خداع الحكومات الرديئة، بل لأننا حينما لامسنا قلوب الآخرين، لمسنا أحزانهم، ورأينا في أحزانهم مرآةً لأحزاننا.

ثانيًا: موقفنا الحالي

من ثمّ، ولأننا زاباتيستا، لم نكتفي بإيقاف الحوار مع الحكومة، فقد رأينا من الضروري أن نواصل النضال رغمًا عن أنف تلك الطفيليّات البليدة من الطبقة السياسية، وعندها قرر جيش زاباتيستا، وحده ومن طرفه (أي: عملٌ «أحادي الطرف»)، تطبيق مواد معاهدة سان أندرياس لحقوق الشعوب الأصلية وثقافتها، ولأربع سنوات منذ منتصف 2001 وحتى منتصف 2005، كرّسنا أنفسنا لخدمة هذه القضية وغيرها من القضايا التي سنعلمكم بها.

حسنًا، بدأنا عندها بتشجيع المحافظات الزاباتية المتمرّدة المستقلة – طريقةٌ تنظم بها الشعوب نفسها لتحكم وتحكم نفسها – لتقوّي نفسها. ووسيلة الحكم الاستقلالي هذه لم يبتدعها جيش زاباتيستا، بل هي نتاج قرونٍ عدة من مقاومة الشعوب الأصلية ومن تجربة الزاباتيستا أنفسنا؛ هي تجربة الحكم الذاتي للأهالي. بعبارة أخرى، لا أحد يأتي ليحكم الناس من الخارج، بل الناس بأنفسهم يقررون، فيما بينهم، من يحكم وكيف، ومن لا يُطِيع الناس يزاح. فمن يحكم، إنْ لم يُطِيع الناس، سيلاحقونه، ويزيحونه عن السلطة، ويستبدلونه.

ولكنا لاحظنا أن المحافظات المستقلة لم تكن سواسية، فبعضها أكثر تقدّمًا وتمتعت بدعمٍ أكبر من المجتمع المدني، وبعضها الآخر أهمِل، والتنظيم كان أضعف من أن يحقق مساواتها، ولاحظنا أن جيش زاباتيستا – بجناحه السياسي-العسكري – كان يتدخل في قراراتٍ عُهْدتها للسلطات الديمقراطية، «المدنيّون» كما يقال. والمشكلة هي أنّ الجناح السياسي-العسكري لجيش زاباتيستا ليس ديمقراطيًّا، لأنه جيش. ولاحظنا أن للعسكري اليد العليا، وللديمقراطي اليد السفلى، وليس في ذلك خير، فالشأن الديمقراطي لا يجب أن يُقرر عسكريًّا، بل العكس: الحكم للديمقراطي-السياسي، وللعسكري الطاعة. أو لعلّه من الأفضل ألا يد عليا ولا سفلى، مساواةٌ تامة، بِلا عسكر، ولهذا الزاباتيستا جنود لأجل يومٍ بلا جنود. حسنًا، ما قمنا به إزاء هذه المشكلة هي البدء بفصل التشكيلة السياسية-العسكرية عن الأوجه الاستقلالية والديمقراطية للتنظيم الخاصة ببلدات الزاباتيستا. وعليه، فالأعمال والقرارات التي اتخذها جيش زاباتيستا وتولى أمرها تمرّر اليوم، شيئًا فشيء، إلى السلطات المنتخبة ديمقراطيًّا في القرى. والكلام سهلٌ بالطبع، لكن الفعل كان صعبًا جدًّا، فقد مرت سنوات عدة – ابتداءً بالاستعداد للحرب ومن ثم الحرب نفسها – مذ صارت الأوجه السياسية-العسكرية أعرافًا، ولكن رغم الصعاب قمنا بذلك لأن طريقنا هو طريق إلحاق الفعل بالقول، فإن لم نفعل، فلماذا نقول ما نقوله؟

وهكذا وُلِدت مجالس الحكومة الجيدة في أغسطس/آب 2003، ومن خلالها، استمر التعلّم الذاتي وممارسة «الحكم بالطاعة».

منذ ذاك الحين وحتى منتصف 2005، لم تعد قيادة جيش زاباتيستا منخرطة في إعطاء الأوامر في الشؤون المدنية، إنما صاحبت السلطات المنتخبة ديمقراطيًّا من الشعوب وأعانتها، وحرصت على إحاطة الشعوب والمجتمع المدني الوطني والدولي فيما يتعلق بالمعونات الواردة وكيفية توظيفها، والآن نحن في طريق تمرير عهدة الحكومة الجيدة للحاضنة الشعبية الزاباتية، بمناصب مؤقتة تناوبية ليتعلّم الجميع كيفية العمل ويساهم فيها، ولاعتقادنا أن شعبًا لا يشرف على قياداته هو شعبٌ محكومٌ عليه بالعبودية، ونحن قاتلنا لنكون أحرارًا، لا لنبدّل أسيادنا كلّ ستة سنوات.

خلال هذه الأعوام الستة، مرر جيش زاباتيستا لمجالس الحكومة الجيدة والمحافظات الاستقلالية كافة المعونات والصداقات التي كونها في أرجاء المكسيك والعالم أثناء سنين الحرب والمقاومة هذه، وعمل جيش زاباتيستا في تلك الأثناء على بناء الدعامة الاقتصادية والسياسية التي تتيح لبلدات الزاباتيستا تقليل معيقات التقدم في بناء استقلالها وتحسين أوضاعها المعيشية، وإن كان البناء متواضعًا فهو أفضل بكثير مما كان لديها قبل بداية الانتفاضة في يناير 1994، فلو تنظر لإحدى الدراسات التي تقوم بها الحكومات، فسترى أنه من بين بلدات الشعوب الأصلية كانت تلك الواقعة في أراضي الزاباتيستا (وهذه هي تسميتنا لمناطق قُرانا) وحدها من حسّنت أوضاعها المعيشية، سواءً في الصحة أو التعليم أو الطعام أو المسكن. وكل هذا التقدم لم يكن ممكنًا إلا بسبب التقدم الذي حققته قرى الزاباتيستا وبسبب الدعم الكبير الذي تلقته من النبلاء والأخيار، من نسميهم «المجتمع المدني»، ومن منظماتهم في كافة أرجاء العالم، وكأنما كل هؤلاء الناس جعلوا من شعار «عالم آخر ممكن» واقعًا، ليس بالأقوال فقط، بل بالأفعال.

والقرى حققت تقدمًا جيّدًا، فقد ازداد عدد الرفاق والرفيقات اللاتي يخضن مسار تعلم كيفية الحكم، ولكن رغم التقدم البطيء والدؤوب لمشاركة النساء في هذا العمل، ما زال احترامُ الرفيقات منقوص، ومن الواجب أن تزداد مشاركتهن في عمل النضال، ومن خلال مجالس الحكومة الجيدة، تحسن التنسيق بين المحافظات الاستقلالية وحل المشاكل مع التنظيمات الأخرى ومع السلطات الرسمية، وتحسنت المشاريع في الأحياء تحسنًا كبيرًا، ونحن في طريق المساواة في توزيع المشاريع والمعونات الموفرة من المجتمع المدني من كافة أرجاء العالم، وتحسنت الصحة والتعليم، وإن كان المشوار طويلًا لنبلغ المستوى المطلوب، والحال نفسها مع الإسكان والغذاء، وفي بعض المناطق حصل تحسينٌ كبير في مشكلة الأراضي، لأن الأراضي المستردة من المُلّاك في طور التوزيع، ولكن العديد من المناطق تعاني من شح الأراضي الزراعية، وقد تحسن الدعم من المجتمع المدني الوطني والدولي تحسينًا كبيرًا، فسابقًا كان كلٌّ يذهب حيثما يريد، وأما الآن فمجالس الحكومة الجيدة توجههم نحو الأماكن الأشد حاجة، وبالمثل، لنا في كل مكان رفاقٌ ورفيقاتٌ يتعلمون الترابط بالناس من شتى بقاع المكسيك والعالم، ويتعلمون الاحترام وطلب الاحترام، ويتعلمون عن تعددية العوالم، وأنّ لكلٍّ مكانه وزمانه وطريقه، ولذلك فالاحترام المتبادل واجبٌ بين الجميع.

نحن، زاباتيّو وزاباتيّات جيش زاباتيستا، كرّسنا هذا الوقت لقوّتنا الرئيسة، للشعوب المؤيدة لنا، والوضع قد تحسّن بالفعل بعض الشيء، ولا أحد له أن يقول اليوم إن التنظيم الزاباتي والنضال الزاباتي كان بلا هدف، فحتى لو تخلّصوا منّا اليوم بالجملة، فلن يقلل ذلك من أهمية ما حققه نضالنا حتى الآن.

ولكن لم تكن وحدها قرى الزاباتيستا ما نمى، فحتى جيش زاباتيستا نمى، لأنه خلال هذه المدة جددت أجيالٌ جديدة تنظيمنا بالكامل وأودعت فيه قوّةً جديدةً، فالقيادات الرجالية والنسائية التي كانت بالغةً يوم بداية انتفاضة 1994 قد اكتسبت حكمةً في الحرب وفي 12 سنة من الحوار مع آلاف الرجال والنساء من كافة أرجاء العالم، وأعضاء اللجنة الثورية السرية للشعوب الأصلية، القيادة السياسية-التنظيمية الزاباتية، ترشد عناصر النضال من مستجدّين ومستجدّاتٍ وقيادات وتوجّههم، ولمدة طويلة عملت «اللجان» (وهذه تسميتنا لها) على تحضير جيل جديد من القيادات الرجالية والنسائية التي – بعد مدة التدريب والاختبار – بدأت تتعلم عمل القيادة التنظيمية وتتولى واجباتها، ويصادف أنّ ثوّارنا ومناضلينا ومناضلاتنا، ومسؤولينا المحليين والإقليميين، وحواضننا الشعبية، ممن كانوا يافعين ويافعاتٍ يوم بداية الانتفاضة، صاروا اليوم رجالًا ونساءً بالغين، مخضرمين ومخضرماتٍ جرّبن المعارك، وقياداتٍ طبيعية في وحداتهم وبلداتهم، ومن كانوا أطفالًا في يناير/كانون الأول 1994 صاروا اليوم شبابًا ترعرعوا في المقاومة وعلى الكرامة النضالية التي زرعها الكبار خلال 12 عامًا من الحرب. وهؤلاء الشباب يحلمون تدريبًا سياسيًّا وتقنيًّا وثقافيًّا لم نملكه نحن مَنْ بدأ حركة الزاباتيستا، وهذا الشباب اليوم يملأ جنودنا المشاة والمناصب القيادية التنظيمية أيضًا، فكلّنا قد شهدنا خداع الطبقة السياسية المكسيكية والدمار الذي ألحقته أفعالها بوطننا، وشهدنا الظلم والمجازر المهولة التي تسببها العولمة النيوليبرالية في كافة أرجاء العالم، لكنّا سنتحدثكم عنها لاحقًا.

إذن، واصل جيش زاباتيستا مقاومته لإثني عشر عامًا من الحرب، من الهجمات العسكرية والسياسية والأيديولوجية والاقتصادية، من الحصار والمضايقات والملاحقة، ولم نهزم. لم نلجأ للخيانة ولا للاستسلام، بل واصلنا المسير وتقدمنا، فانضم الرفاق من شتى المناطق لنضالنا حتى زادتنا السنين قوة ولم تضعفنا، وبالطبع نعاني من مشاكل يجب حلّها بفصل السياسي-العسكري عن المدني-الديمقراطي، ولكن أشياءً، أهم الأشياء، مثل مطالبنا التي نناضل من أجلها، لم تحقق بكاملها.

بطريقة تفكيرنا وما نرى في قلوبنا، بَلغنا نقطة لا يمكننا تجاوزها، بل وقد نخسر كل ما نملك إنْ بقينا كما نحن ولم نفعل شيئًا لنمضي قدمًا، وقد حانت الساعة لنخاطر مرةً أخرى، ونخطو خطوةً خطيرةً، وتستحق المخاطرة، ولربما باتحادنا مع القطاعات الاجتماعية الأخرى التي تعاني ما نعاني وتريد ما نريد، سنتمكن من نيل ما نحتاجه وما نستحقه. وهذه الخطوة الجديدة إلى الأمام لنضال الشعوب الأصلية لن تتحقق إلا بانضمام الشعوب الأصلية مع العمّال والفلّاحين والطلبة والمعلّمين والموظّفين…مع عمّال المدن والريف.

(يتبع)

من جبال جنوب الشرق المكسيكي

اللجنة الثورية السرية للشعوب الأصلية – القيادة العامة لجيش زاباتيستا للتحرير الوطني

المكسيك، الشهر السادس من 2005.

جيش زاباتيستا للتحرير الوطني.

المكسيك.

(الإعلان السادس لغابة لاكاندون)

ثالثًا: نظرتنا للعالم

والآن سنشرح نظرتنا نحن الزاباتيستا لما يجري في العالم. نرى في الرأسمالية الطرف الأقوى الآن. والرأسمالية نظامٌ اجتماعيٌّ، طريقة ينظم بها المجتمع الأشياء والناس، ويحدد من صاحب المُلك ومن مالِكُ الحرمان، من له الأمر ومن عليه الطاعة. وفي ظل الرأسمالية ينقسم الناس بين أصحاب المال، أو رأس المال، والمصانع والمتاجر والحقول وغيرها من الأمور من جهة، ومن لا يملكون شيئًا سوى القوّة الجسدية والمعرفة لأجل العمل من جهة، وفي ظل الرأسمالية أصحابُ المال هم أصحابُ الأمر، والطاعة مفروضة على من لا يملك سوى قدرته على العمل.

والرأسمالية تعني أنّ قلةً قليلة تملك ثروةً كبيرة، وليست تملكها بالفوز في مسابقة، أو باكتشاف كنز ما، أو بميراثٍ انتقل من الآباء للأبناء، بل استحصلت الثروة باستغلال عمل الأكثرية. وعليه فالرأسمالية مستندة إلى استغلال العمّال، ما يعني أنهم يستغلّون العمّال ويستولون على ما أمكنهم من الأرباح، وهذا يجري بالإجحاف، إذْ لا يدفع للعامل قيمة عمله كاملة، بل يعطى أجرًا لا يتيح له إلّا بعض الطعام وبعض الراحة، ليعود غدًا ويعمل في استغلال الريف أو استغلال المدينة.

والرأسمالية تستحصل ثروتها من النهب، أو السرقة، لأنهم يأخذون ما يرغبون به من الآخرين، من أراضٍ وموارد طبيعيةٍ مثلًا. فالرأسماليةُ إذن نظامٌ حيث اللصوص أحرار ويقابلون بالإعجاب والتقدير، بل وهم أمثلةٌ يحتذى بها.

ولا تكتفي الرأسمالية بالاستغلال والنهب، بل تقمع، لأنها تسجن كل من ينتفض ضد الظلم وتقتله.

شغل الرأسمالية الشاغل هو السلع، لأن في معاملات البيع والشراء تتأتى الأرباح، ولذلك تسلّع الرأسمالية كل شيء، تسلّع البشر، والطبيعة، والثقافة، والتاريخ، وحتى الضمير. فوفق الرأسمالية يجب أن يكون كل شيء قابلًا للبيع والشراء. وهي تخفي كلّ شيءٍ وراء السلع، حتى لا نرى الاستغلال الحاصل. وبعدها تباع السلع في سوق ما، والسوق لا يستخدم فقط للبيع والشراء، بل لإخفاء استغلال العمّال، ففي السوق مثلًا، نرى القهوة تباع في صُرّةٍ جميلة أو عبوّة مزخرفة، ولكنّنا لا نرى الفلّاح الذي عانى في حصاد القهوة، ولا نرى القيوط الذي لم يدفع له إلا قرشًا مقابل عمله، ولا نرى عمّال الشركات الكبرى يتصببون عرقًا لتعبئة القهوة، أو نرى جهازًا للاستماع للموسيقى، مثل الكومبيا أو الرانشيرا أو الكوريدو أو أيًّا كانت، ونرى أنّها جيدة جدًّا وصوتها جيد، لكننا لا نرى عاملة الماكيلادورا التي كدحت لساعاتٍ طويلة في تركيب الأسلاك والقطع حسب التعليمات مقابل أجرٍ زهيد، هذا وهي تسكن بعيدًا عن مكان العمل وتكلفة المشوار تبتلع أجرها، بل وفي طريقها، هي عرضة للاختطاف والاغتصاب والقتل، مثلما يحدث في سيوداد خواريز في المكسيك.

إذن، نرى السلع في السوق، ولا نرى الاستغلال الذي صنعها، وهكذا تحتاج الرأسمالية أسواقًا. . .أو سوقًا كبيرةً جدًّا، سوقًا عالمية.

وهكذا، رأسمالية اليوم ليست كرأسمالية الأمس، حينما كان الأغنياء قانعين باستغلال عمّال بلدانهم، بل هم اليوم على طريقٍ يسمّى طريق العولمة النيوليبرالية، وهذه العولمة تعني أنهم اليوم لا يتحكمون بعمّال بلدٍ واحدٍ أو عدّة بلدان، بل يحاول الرأسماليّون السيطرة على كل ما على وجه الأرض، فهذا الكوكب، كوكب الأرض، يسمّى «العالم» أيضًا، ولهذا يقولون «العولمة»، أي العالم كلّه.

والنيوليبرالية هي الفكرة القائلة بحريّة الرأسمالية في السيطرة على العالم أجمع، بقوّة قاهرة، وليس لك إلّا أن تخنع وتمتثل وتوطئ رأسك، أو بالأحرى: عليك ألا تنتفض. فالنيوليبرالية إذن أشبه بالنظرية والخطة، نظرية وخطة العولمة الرأسمالية، وللنيوليبرالية خطها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية. وكل هذه الخطط معنية بالسيطرة على الجميع، وهي تقمع وتعزل أيّ طرف أو شخصٍ لا يخضع حتى لا تصل عدوى ثوريّته الآخرين.

وهكذا، في العولمة النيوليبرالية، يطمح الرأسماليون الكبار الذين يسكنون البلدان الأقوى، مثل الولايات المتحدة، أن يحوّل العالم لشركة كبيرة تباع فيها السلع كسوق كبير، سوقٌ عالمية ليباع فيها العالم أجمع ويشترى فيها العالم أجمع، ويخفى فيها استغلال العالم عن العالم أجمع. ومن ثم يتسلل الرأسماليون العالميون لكل مكان، لكل بلد، ليقوموا بأعمالهم الكبرى، باستغلالهم الأكبر، ولا يحترمون في ذلك أي شيء، ويتدخلون ويتطفلون كما يحلو لهم، وهم في ذلك أشبهُ بالغزاة. ولهذا نحن الزاباتيستا نقول إنّ العولمة النيوليبرالية هي حربٌ لغزو كل العالم، حربٌ عالمية، حربٌ تشنّها الرأسمالية للسيطرة على العالم، فأحيانًا يأتي هذا الغزو بجيوش تغزو البلاد وتحتلها بالقوة القاهرة، وفي أحيان أخرى يكون الغزو بالاقتصاد، أو بالأحرى، يضع كبار الرأسماليين أموالهم في بلاد أخرى أو يعيرونها المال، شريطةً أن تخضع لإمرتهم. وهم يسربون أفكارهم، بالثقافة الرأسمالية، ثقافة السلع، والأرباح، والسوق.

وفي غزوها هذا، في غزو الرأسمالية، تفعل ما يحلو لها، وتدمر وتغير ما لا يطيب لها، وتمحو كل ما يقف في طريقها، فعلى سبيل المثال: أولئك الذين لا ينتجون أو يبيعون سلعًا حديثة يقفون في طريقها، ومن ينتفضون ضد هذا النظام كذلك. وهي تحتقر من لا ينفعها منّا، ولهذا الشعوب الأصلية تقف في وجه الرأسمالية النيوليبرالية، ولهذا تحتقر الشعوب الأصلية وتود محوها. والرأسمالية النيوليبرالية تمحو القوانين التي تحول دون استغلالها واسترباحها المفرط، فتطلب أن يباع كل شيء ويشترى، ومذ أن الرأسمالية تملك كل شيء، فهي تشتري كل شيء. والرأسمالية تدمر البلدان التي تغزوها بالعولمة النيوليبرالية، ولكنها تودّ أيضًا تبنّي كل شيء، وتعيد صنعه، بطريقتها الخاصة، بطريقةٍ تفيد الرأسمالية ولا تتيح لشيء أن يعيق زحفها. وهكذا تدمر العولمة النيوليبرالية، الرأسمالية، ما في البلدان التي تغزوها، تدمر ثقافتها، ولغتها، ونظامها الاقتصادي، ونظامها السياسي، بل وتدمر طرق ترابط الناس مع بعضهم البعض، حتى لا يعود في البلاد ما يجعلها بلادًا.

وتودّ العولمة الرأسمالية تدمير أمم العالم حتى لا تبقى إلّا أمة واحدةٌ وبلدٌ واحد، بلدُ المال، بلد رأس المال. وتريد الرأسمالية لكل شيء أن يكون كما تريد، بطريقتها الخاصة، ولا تطيق الاختلاف، فهي تطارده ومهاجمه، أو تضعه في زاوية وتتجاهل وجوده.

وهكذا، إيجازًا، تستند رأسمالية العولمة النيوليبرالية إلى الاستغلال والنهب، وازدراء رافضيها وقمعهم، أي مثلما كانت الرأسمالية سابقًا، إنما الآن بنسخةٍ معولمة، عالمية.

ولكن الطريق ليس سهلًا أمام العولمة النيوليبرالية، لأن الطبقات المستغلَّة في كل بلاد تزداد سخطًا، وعندما تسخط لا تسلّم أمرها وتوطئ رأسها، بل تنتفض. ومن يتبقى من المستغلَّين ومن يعيق طريق العولمة لن يقبل بأن يُمحَى، ولهذا نرى في كل أرجاء العالم، نرى من نُهِب واستُغِلّ ينشئ مقاوماتٍ، بعد أن ضاق به الحال ذرعًا، أو بعبارة أخرى: يتمرد الناس، وليس في بلدٍ واحد، بل حيثما وجدوا. وهكذا، مثلما تواجهنا عولمة نيوليبرالية، نواجهها كعولمة تمرّدية.

وليس عمّال الريف والمدن وحدهم المشاركون في هذه العولمة التمرّدية، بل نشهد معهم كلّ مُستضعَفٍ ومستضعَفةٍ ومقهورٍ ومقهورةٍ، ودافع التمرّد واحد: رفض الخضوع. رفضٌ من النساء، والشباب، والشعوب الأصلية، والمثليين والمثليّات، والعابرين والعابرات جنسيًّا، والمهاجرين والمهاجرات، وغيرها من الجماعات في كل أرجاء المعمورة ممن لا يراهم أحد حتى تخرج تلك الصرخة: «كفى!» احتقارًا، فينهضون، وحينها فقط نراهم، ونسمعهم، ونتعلم منهم.

وعندها نرى كل الجماعات المقاتلة ضد النيوليبرالية، ضد خطة العولمة الرأسمالية، وهي تناضل من أجل الإنسانية.

ومع تعجبنا من غباء النيوليبراليين الراغبين بتدمير الإنسانية جمعاء بحروبهم واستغلالهم، تسعدنا رؤية المقاومات والتمرّدات تبرز في كل مكان، مثل تمردنا، وإن كان صغيرًا، فها هو موجود. وحينما نرى هذا الأمر في كل بقاع المعمورة، نعلم في أعماق قلوبنا أننا لسنا وحيدين.

رابعًا: رؤيتنا لوطننا، المكسيك

والآن سنتحدث عن رؤيتنا لما يجري في مكسيكنا. يحكم بلادنا اليوم النيوليبراليون، وكما أسلفنا الشرح، قياداة البلاد تدمّر أمتنا اليوم، تدمر وطننا المكسيكي، فعمل هؤلاء القادة الرديئين لا ينصب في حفظ سلامة الناس وأمنهم، بل فقط في سلامة الرأسماليين ورفاهيتهم، فتراهم مثلًا يضعون قوانين مثل اتفاقية التجارة الحرة (نافتا) التي ترمي آلاف المكسيكيين، مثل الفلّاحين وصغار المنتجين، إلى الفقر والعوز، بأن «تبتلعهم» الشركات الزراعية الصناعية الكبرى، ولا يسلم من ذلك العمّال وصغار أصحاب الأعمال، لعجزهم عن التنافس مع الشركات الكبرى العابرة للأوطان التي تدخل، دونما اعتراض أو حتى شكر، وتخفض أجور العمّال وترفع أسعار السلع، وهكذا تدمر بعض القواعد الاقتصادية لمكسيكنا، أي الريف والصناعة والتجارة الوطنية، تدميرًا لا يترك منها إلا الحطام، وحتى هذا الحطام سيُتاجَر به لا محالة.

يا له من عار هذا الذي حل بوطننا. فلأن الطعام لم يعد ينتج في ريفنا، لا طعام يتوفر سوى ما يبيعه كبار الرأسماليين، ولأن الأراضي الجيدة نُهِبت عبر الاحتيال بتواطؤ السياسيين، ما يحدث في الريف لا يختلف عن البورفيريّة (Porfirismo)، إنما عوضًا عن كِبار المُلّاك (hacendados) نجد بضع شركاتٍ أجنبية تنهب الفلّاح وتجحف بحقه، وحيثما كانت حماية الأسعار والائتمان، نجد التبرعات الخيرية لا غير. . .هذا إن توفرت.

وأما بالنسبة لعمّال المدن، فالمصانع أغلقت، ولا عمل لديهم، أو فتحت ما يسمّى بالماكيلادورات، وهي أجنبية وتكافئ ساعات العمل الطويلة بقرشٍ أو قرشين، وأما سعر البضائع التي يحتاجها الناس فلا أهمية له بعد اليوم، فالناس أفلست، ولن يؤثر فيهم الازدياد والنقصان. وإن كان الواحد يعمل في شركةٍ صغيرة أو متوسطة الحجم، فلم يعد ذلك، إما لأنها أُغلِقت أو لأن شركة عابرة للأوطان قد اشترتها. وإن كان الواحد يملك شركةً صغيرة، فقد اختفت هي الأخرى، أو باتت تعمل سريًّا لصالح الشركات الكبرى التي تستغلها استغلالًا فظيعًا وتشغّل فيها الفتية والفتيات. وإن انتمى الواحد لهذه النقابة أو تلك للمطالبة بحقوقه القانونية، فقد سدّ الطريق من أمامه، فالنقابة نفسها هي من تخبره اليوم أنّ عليه تحمّل خفض راتبه أو ساعات عمله أو حرمانه من الفوائد، لأنّه إن لم يتحمل ذلك، فالشركة ستغلق أبوابها وتنتقل لبلدٍ آخر. وعندك «المتاجر الصغرى» (microchangarro)، وهي برنامج الحكومة الاقتصادي الذي يستهدف وضع كلّ عمّال المدن عند تقاطعات الشوارع ليبيعوا العلكة أو بطاقات الهاتف. بعبارة أخرى، دمر اقتصاد المدينة أيضًا.

ومع تدمير اقتصاد الشعب في الريف والمدينة يغادر الرجال والنساء المكسيكيّات أرض الوطن، أرض المكسيك، بحثًا عن العمل في بلدٍ آخر، الولايات المتحدة، حيث يتعرضون لمعاملة سيئة، ويُستَغَلّون ويظلمون، ويُحتَقَرون بل ويُقتَلون، ففي ظل النيوليبرالية التي فرضتها الحكومات الرديئة، لم يتحسن الاقتصاد، بل العكس: عوز الريف ازداد، وعمل في المدن أعدم، فقد جعلوا من المكسيك اليوم مكانًا حيث الناس يعملون لتزداد ثروة الأجانب، أغنياء البِيْض غالبًا، مكانٌ حيث يولد الإنسان للحظة، ويموت بعد لحظة. ولهذا نقول إنّ المكسيك واقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة.

والأمر لا يقف عند ذلك، فالنيوليبرالية غيرت الطبقة السياسية المكسيكية – السياسيين – فأضحوا بسببها أشبه بموظّف مبيعات، لا شاغل له سوى بيع كلّ شيء بأقل الأسعار وبأي السُبل، فها قد رأيت كيف غيّروا القوانين لإلغاء المادة 27 من الدستور حتى يتاح بيع الأراضي المشاعية، وهذه فعلة ساليناس دي غورتاري، زاعمًا أن ذلك سيصب في مصلحة الريف والفلّاح، ليزدهرا وينتعشا. وهل هذا ما جرى؟ الريف المكسيكي اليوم أسوأ من أي وقتٍ مضى، والفلّاح وضعه أسوء مما كان تحت بورفيريو دياز، وها هم يقولون إنهم سيخصخصون شركاتِ الدولة (أي: سيبيعونها للأجانب) لمصلحة الشعب ورفاهيته أيضًا. فلأن الشركات لا تعمل بنحوٍ جيد ويجب تحديثها، من الأفضل بيعها. وبدلًا من تحسين أوضاعنا، غدت الحقوق التي انتزعت في ثورة 1910 تبعث فينا الحزن. . .وتزيدنا جُرأة. وقالوا إنّ الحدود يجب فتحها ليدخل رأس المال الأجنبي أفواجا، وهكذا ستصلح الشركات الأجنبية وستحسّن أوضاعنا، والآن لا نرى شركاتٍ وطنية، فالأجانب ابتلعوها، وما يبيعونه اليوم أردى جودةً مما صنع في المكسيك في الماضي.

الآن يود السياسيون المكسيكيّون بيع شركة بيميكس، النفط الذي هو ملك كافة المكسيكيين، ولا اختلاف بين السياسيين سوى أن بعضهم يقول يجب بيعه جملةً وتفصيلًا والبعض الآخر يقول يجب ألا يباع إلا جزءٌ منه. ويودون خصخصة الضمان الاجتماعي، والكهرباء والمياه والغابات وكل شيء، حتى لا يبقى شيءٌ من المكسيك، وتغدو بلادنا خرابًا أو ملهىً لأغنياء العالم، ونحن، الرجال والنساء المكسيكيّون، سنصبح خَدَمهم، متّكلين على ما يعرضون، نعيش بلا مسكنٍ كريم، بلا جذور، بلا ثقافة، بلا وطن.

الخلاصة بكلمة: النيوليبراليون يريدون قتل المكسيك، قتل وطننا المكسيكي. والأحزاب السياسية لا تريد أن تدافع عنها، فهم أول من يتقدم لخدمة الأجانب، خصوصًا أولئك من الولايات المتحدة، ومهمّة هؤلاء السياسيين هي خداعنا، وتشتيت أنظارنا وهم يبيعون كل شيء ويملؤون جيوبهم بثروتنا، وهذا الكلام يشمل كل الأحزاب السياسية الموجودة اليوم، ولا يختص ببعضها. فانظر، هل منها من قاوم؟ أنظر وسترى أنه لم يبقى فيها سوى النهب والخداع. وانظر لأي سياسي، سترى ذاك المنزل الجميل وتلك السيارة الفاخرة، سترى كل الرفاهيات. ولا زال الواحد منهم يطلب منّا الامتنان والتصويت مرةً أخرى. من الواضح، كما يقولون، أنهم لا يخجلون من شيء، وذلك لأنهم، واقعًا، لا وطنَ لهم سوى حساباتهم البنكية.

ونرى ازديادًا في تهريب المخدرات والجريمة، وقد يظنّ البعض أن المجرمين أشبه بما يعرض في الأغاني والأفلام، ولعلّ بعضهم كذلك، ولكن الزعماء الحقيقيين بالتأكيد ليسوا كما في الأفلام، فهم حسنو الملبس، ويدرسون خارج البلاد، وأنيقون، ولا ينتقلون من مخبئٍ لآخر، بل يأكلون في المطاعم الفاخرة وتظهر صورهم على أوراق الصحف بملابسهم الجميلة وحفلاتهم العلنية، فهم، كما يقال، «الشرفاء»، وبعضهم مسؤولون، ونوّاب، ووزراء، وتجّار كبار، وأعمدة شرطة، وجنيرالات.

أنقول هنا إن السياسة لا نفع لها؟ كلا، ما نقوله هو إنّ تلك السياسة لا نفع لها. فهي لا تضع الناس بعين الاعتبار، ولا تنصت لهم، ولا تعيرهم الاهتمام، ولا تقترب منهم إلا أيام الانتخابات، بل ولم يعودوا يكترثون للأصوات، فالاستطلاعات كافية لتقول من سينتصر. ومن ثم لا نلقى إلا وعودًا تتلوها وعود، وبعدها وداعًا، نراكم لاحقًا، ولن تراهم لاحقًا، إلا عندما يظهرون في الأخبار بعد أن سرقوا أموالَ طائلة، ولا سينزل عليهم عقاب لأن القانون – الذي صاغوه هم أنفسهم – يحميهم.

وتلك مشكلة أخرى، فالدستور نفسه اليوم مُحوّرٌ ومعدّل، ولم يعد الدستور الذي ضمن الحقوق والحريات للناس العامِلة، فلا حقوق ولا حرّياتٍ إلّا للنيوليبراليين ليستحصلوا أرباحهم الطائلة، والقضاة موجودون لخدمة النيوليبراليين، لأنهم يحكمون لصالحهم على الدوام، ومن ليس بغنيٍّ لا يلقى إلا الظلم والسجون والمقابر.

حسنًا، حتى في خضم هذه الفوضى والخراب الذي أحدثه النيوليبراليون، في البلاد نساءٌ ورجالٌ ينظّمون ويشنّون نضالًا مُقاوِم.

ووجدنا شعوبًا أصلية، في أراضٍ بعيدةٍ عنّا هنا في تشياباس، تعمل تجاه استقلاليتها وتدافع عن ثقافتها وتعتني بأرضها وغاباتها ومياهها.

وعمال الريف، الفلّاحون، وجدناهم ينظّمون ويقومون بالمسيرات والتعبئة للمطالبة بالائتمان والمعونة للريف.

ووجدنا عمّال المدن يكافحون لألّا تسحب منهم وظائفهم أو تخصخص، ويحتجّون ويتظاهرون لكيلا يؤخذ ما تبقى لديهم، ولكيلا يؤخذ من البلاد ما هو – واقعًا – لها، كالكهرباء والنفط والضمان الاجتماعي والتعليم.

ووجدنا الطلبة الذين يعملون للحول دون خصخصة التعليم ويحاربون لأجل تعليم مجّاني وشعبيٍّ وعلميٍّ، لكيلا تفرض عليهم رسوم، حتى يمكن للجميع أن يتعلم، وحتى لا تُدرّس الحماقات في المدارس.

ووجدنا نساءً ترفضن بأن تعاملن كالمزهريّات أو أن يلاقي الاحتقار والازدراء لمجرد كونهن نساء، فينظّمن ويقاتلن لأجل الاحترام الذي تستحقه النساء.

ووجدنا الشباب الرافض للتخدير بالمخدّرات أو الملاحقة بسبب أسلوب الوجود، ويزيدون وعيهم بموسيقاهم وثقافتهم وتمردهم.

ووجدنا المثليين والمثليات والعابرات والعابرين جنسيًّا في مقاومةٍ للسخرية والاحتقار والازدراء وحتى القتل لمجرد اتخاذ طريقٍ مختلف، في مقاومةٍ للمعاملة كالشواذ أو المجرمين، وينظّمون أنفسهم للدفاع عن حقّهم في الاختلاف.

ووجدنا الكهنة والراهبات، ومن يسمّون بالعوام، من هم ليسوا بأغنياء، وليسوا مستسلمين، بل ينظّمون برفقة نضالات الشعب.

ووجدنا من يسمّون بالنشطاء الاجتماعيين، نساءٌ ورجالٌ يقاتلن طول حياتهمن لأجل الناس المُستغلَّة، وقد شاركن في كبرى إضرابات العمّال وأنشطتهم، ورغم كبر سنّهم يواصلون العمل دون استسلام، فيذهبون لكل مكان بحثًا عن النضال، بحثًا عن العدالة، ويؤسسون تنظيماتٍ يسارية، ومنظماتٍ غير حكومية، منظّمات حقوق إنسان، منظّمات دفاع عن السجناء السياسيين ومناصرة المخفيين قسريًّا، ومطبوعات يسارية، تنظيماتٍ للمعلّمين أو الطلّاب، نضالاتٌ اجتماعية، بل وحتى تنظيماتٍ سياسية-عسكرية، وليس فيها من هو صامت، لأن معرفتهم واسعة، واسعةٌ وسع ما عاشوه وقاسوه.

وهكذا وجدنا في عموم بلادنا، المسماة بالمكسيك، أناسًا كثيرةً ضاقت ذرعًا، ولم تستسلم، ولم تخون، أناسٌ ذوو كرامة، ووجودهم يسرّنا ويسعدنا، لأنه مع كل هؤلاء الناس، لن يكون انتصار النيوليبراليين سهلًا، بل وقد نتمكن من إنقاذ وطننا من كبار اللصوص والخراب الذي يحدثونه، ونظنّ أن «نون» جمعنا هذه تشمل كلّ هذه الانتفاضات.

(يتبع)

من جبال جنوب الشرق المكسيكي

اللجنة الثورية السرية للشعوب الأصلية – القيادة العامة لجيش زاباتيستا للتحرير الوطني

المكسيك، الشهر السادس من 2005.

جيش زاباتيستا للتحرير الوطني.

المكسيك.

(الإعلان السادس لغابة لاكاندون)

خامسًا: ماذا نريد أن نفعل

والآن سنخبركم عما نريد فعله في العالم وفي المكسيك، لأننا لا نقدر على مشاهدة كل ما يجري في كوكبنا ونظل صامتين، وكأنما لا أحد غيرنا في هذا المكان.

ما نريده في العالم هو أن نخبر كل مقاوِم ومقاومةٍ بطرقهم الخاصة في بلدانهم: لستم وحدكم، فنحن، الزاباتيستا، رغم قلّتنا، نؤيدكم، وسننظر في طرق إعانتكم في نضالكم ونتحدث إليكم لكي نتعلم، لأن ما تعلمناه هو – واقعًا – ضرورة التعلّم.

وما نريد أن نخبر الشعوب الأمريكية اللاتينية هو أننا نفخر بكوننا جزءًا منكم، وحتى إن كنّا جزءًا صغيرًا، فنحن نتذكر ولن ننسى أبدًا كيف أضيئت هذه القارة قبل سنين، بشعلةٍ اسمها تشي غيفارا، وقبلها كان اسمها بوليفار، فالناس أحيانًا يتخذون اسمًا ليرفعوه ناصيةً.

ونريد أن نخبر شعب كوبا، الذين ساروا على طريق المقاومة لسنين طويلة: لستم وحدكم، فنحن نعارض الحصار الواقع عليكم، وسوف نرسل إليكم ما يعينكم في المقاومة، حتى وإن اقتصر ما نقدر عليه على الذرة. ونريد إخبار شعب أمريكا الشمالية: نعلم أنّ الحكومات الرديئة لديكم التي تنشر الضر في كافة أرجاء العالم شيء، وأن الأمريكيين الشماليين المقاومين في بلدهم، في تضامنٍ مع نضالات البلدان الآخر، شيءٌ آخر تمامًا. ونريد أن نخبر إخواننا وأخواتنا المابوتشي في تشيلي: نحن نراقب نضالكم لنتعلم منه. وللفنزويليين نقول: نحن نراكم في دفاعكم عن سيادتكم، عن حق أمّتكم في تقرير وجهتها. ونقول لإخوتنا وأخواتنا الأصليين والأصليّات في الإكوادور وبوليفيا: ها أنتم تقدّمون درسًا حسنًا للتاريخ في كل أمريكا اللاتينية، لوضعكم حدًّا للعولمة النيوليبرالية. وللاعتصاميين والشباب في الأرجنتين نقول: نحبّكم. ولأولئك في الأوروغواي الساعين لوطنٍ أفضل: نقدّركم. ولعديمي الأراضي في البرازيل، نحترمكم. ولكل شباب أمريكا اللاتينية: أحسنتم عملًا، فعملكم يبعث فينا أملًا عظيمًا.

ونود أن نخبر إخوتنا وأخواتنا من أوروبا الاجتماعية، أصحاب الكرامة والتمرد: لستم وحدكم. إنّ حركتكم العظيمة ضد النيوليبرالية تبعث فينا السرور. ونحن نراقب بعناية أشكال تنظيمكم وأساليب نضالكم لعلّنا نتعلم منها شيئًا. ونقول: نحن ننظر في كيفية إعانتكم في نضالكم، إنما ليس باليورو فسعره ستخفضه خرابة الاتحاد الأوروبي. ولربما سنرسل لكم بعض المصنوعات الحرفية والقهوة لتبيعوها وتفيدكم في مهام نضالكم، ولربما سنرسل لكم بعض البوزول، فهو يمنح قوّةً للمقاومة، ولكن لا نعلم، لربما البوزول أنسب لنا، وقد يؤذي معداتكم ويضعف نضالاتكم ليهزمكم النيوليبرالية.

ولإخوتنا وأخواتنا في أفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا نقول: نعلم أنكم تقاتلون أيضًا، ونريد أن نتعلم من أفكاركم وأعمالكم.

ونريد أن نخبر العالم: نودّ أن نوسّعك، نوسّعك حتى تسع كلّ العوالم، كل العوالم التي تقاوم سعيًا في تدمير النيوليبراليين ولأنها لم تعد تتحمل الصمت ولا تقدر على تأجيل القتال لأجل الإنسانية.

حسنًا إذن، ما نريد فعله في المكسيك هو عقد اتفاق مع شخوص اليسار وتنظيماته فقط، لإيماننا أنّ اليسار السياسي هو موقع فكرة مقاومة العولمة النيوليبرالية، وَصنع بلادٍ حيث العدالة والديمقراطية والحية للجميع، خلافًا للوضع الراهن، حيث العدالة للأغنياء فقط، والحرية لشركاتهم الكبرى، والديمقراطية غرضها صبغ الجدران ببروباغاندا الانتخابات، ولإيماننا أنّه من اليسار فقط يمكن لخطّة نضالٍ أن تنبثق، حتى لا يموت وطننا، المكسيك.

وعندها، ما نعتقده هو أنّنا، مع شخوص اليسار وتنظيماته، سنرسم خطة للذهاب لكل أطراف المكسيك حيث البسطاء والمستضعَفون من أمثالنا.

ولن نقول لهم يجب أن تفعلوا كذا أو كذا أو نصدر أوامرًا عليهم.

ولن نطلب منهم التصويت لهذا المرشح الانتخابي أو ذاك، لعلمنا أن كل الموجودين نيوليبراليون.

ولن نقول لهم يجب أن تكونوا مثلنا، أو أن عليهم رفع السلاح.

ما سنفعله هو: سنسألهم عن حياتهم، عن معاناتهم ونضالاتهم، عن أفكارهم حول بلادنا وما يجب أن نفعل لكيلا نهزم.

ما سنفعله هو: سننصت لأفكار البسطاء والمستضعفين، فلعلّنا نجد فيها نفس الحب الذي نكنّه تجاه وطننا.

ولعلنا سنجد أرض توافق بين البسطاء والمستضعَفين منا، لننطلق معًا وننظم في كافة أرجاء البلاد ونصل إلى اتفاقٍ في نضالاتنا، التي نخوضها وحيدةً الآن، منفصلةً عن بعضها البعض، وسنصل إلى ما يشبه البرنامج الشامل لكل ما نريد، لخطةٍ حول إنجاز البرنامج وتحقيقه، ما نسمّيه: «البرنامج الوطني للنضال».

وبهذا الاتفاق مع أغلبية الناس الذين سننصت إليهم، سنخوض في نضالٍ مع الجميع، مع الشعوب الأصلية، مع العمّال، والفلّاحين، والطلبة، والمعلّمين، والموظّفين، والنساء، والأطفال، وكبار السن، والرجال، مع كل ذوي النوايا الصادقة ممن يريدون النضال حتى ينتهي الدمار ويوقف إتجار وطننا المسمى بالمكسيك، الواقع بين نهر ريو برافو شمالًا وريو سوشياتي جنوبًا، والمحيط الهادي غربًا والأطلسي شرقًا.

سادسًا: كيف سننجز ذلك

وهذه هي إذن كلمتنا البسيطة نوصلها لبسطاء المكسيك ومستضعفيها، بل والعالم، وننادي العالم اليوم:

الإعلان السادس لغابة لاكاندون

نحن هنا لنبقى، بكلمتنا البسيطة. . .

يحافظ جيش زاباتيستا على التزامه بوقف إطلاق النار، ولن يشرع بأي هجوم على القوات الحكومية ولن يقوم بأي تحركات عسكرية هجومية.

يحافظ جيش زاباتيستا حتى الآن على إصراره على طريق النضال السياسي عبر هذه المبادرة السلمية التي نشرع بها الآن، ويواصل بالتالي عزمه على رفض تأسيس أي علاقة سرية مع التنظيمات السياسية-العسكرية الوطنية أو الأجنبية.

يجدد جيش زاباتيستا التزامه بالدفاع عن الأهالي الأصليين الزاباتيين ودعمهم والطاعة لهم، فهم قيادته العليا، ودون التدخل في عملياتهم الديمقراطية الداخلية، ليساهم بأفضل ما أمكن في تعزيز استقلاليتهم وحكومتهم الجيدة وتحسين ظروف حياتهم، أو بعبارة أخرى: ما سننجزه في المكسيك وفي العالم، سننجزه دون سلاح، بل بحركةٍ مدنية وسلمية، ودون إهمال دعمنا لأهالينا أو إيقاف دعمنا لهم.

وعليه…

في العالم…

1. سنصوغ علاقات جديدة مبنية على الاحترام المتبادل والتعاضد مع أي أشخاص أو منظمات تقاوم النيوليبرالية وتناضل ضدها ولأجل الإنسانية.

2. بقدر المستطاع سنرسل المعونة المادية مثل الأطعمة والأدوات الحرفية للإخوة والأخوات المناضلين في كافة بقاع المعمورة.

ولكي نبدأ سنطلب من مجلس الحكومة الجيدة في لا رياليداد أن يعيرنا شاحنتهم، المسماة «تشومبيراس» وقدرة تحملها 8 أطنان، وسنملأها بالذرة ولربما بعبوّتي زيت أو بترول سعتهما 200 ليتر، حسب الرغبة، وسنقدمها للسفارة الكوبية بالمكسيك لترسل إلى الشعب الكوبي كمعونة من الزاباتيستا لمقاومتهم الحصار الأمريكي الشمالي. ولعل مكانًا ما أقرب يمكننا إيصالها له لأن المسافة لمدينة مكسيكو طويلة، وماذا سنفعل لو تعطلت «تشومبيراس» في الطريق. سنرسل هذه الشحنة عندما يأتي الحصاد، فهو اليوم يخضرُّ في الحقول، وإن لم نهاجَم، فلو أرسلناها في غضون هذه الأشهر القليلة القادمة فلن نرسل إلا العرانيس، وهي لا تصلح حتى لخبز التامالي، وسيكون من الأفضل إرسالها في نوفمبر/تشرين الثاني أو ديسمبر/كانون الأول، حسب الموسم.

وسنصل لاتفاق مع التعاونيات الحرفية النسائية لإرسال عدد معتبر من البوردادو، قطعٌ مطرزة، إلى الأوروبّات غير الاتحادية، ولعلنا سنرسل بعض القهوة العضوية من تعاونيات الزاباتيستا، ليبيعوها ويحصلون على بعض النقود لنضالهم، وإن لم تباع، فيمكنهم صنع كوب قهوةٍ بسيط يحتسوه وسط أحاديث حول مقاومة النيوليبرالية، وإنْ برُد الجو يمكنهم أن يتلحّفوا ببوردادو الزاباتيستا، فهي تقاومه حق مقاومة بعد غسيلها باليد والحجارة، وهي لا تغسل في الغسالة.

وسنرسل لإخوتنا وأخواتنا الأصليين في بوليفيا والإكوادور بعض الذرة غير المعدلة وراثيًّا، وإن كنا لا نعلم إلى أين نرسلها لتصل كاملة، فنحن عازمون على توفير هذا القدر المتواضع من المعونة على الأقل.

3. ولكلّ المقاومين في كافة أرجاء العالم، نقول: يجب أن تعقد لقاءاتٌ قارّيةٌ أخرى، ولو واحدٌ فقط. لربما في ديسمبر/كانون الأول لهذا العام أو يناير/كانون الثاني المقبل، فعلينا أن ننظر في الأمر، فنحن لا نود أن نحدد بأنفسنا، لأن عملنا معناه التوافق المتساوي على كل شيء، على المكان، على الزمان، على الكيف، وعلى المَن. وليس بمنصةٍ حيث يتحدث القلة وينصت البقية، بل بلا منصة، بأرض متساوية ليتحدث الجميع، بنحو منظم، وإلا فستكون فوضى ولا أحد سيفهم للآخر، فمع تنظيمٍ جيد سينصت الجميع وسيدونون في دفاترهم كلمات المقاومة للآخرين، حتى يتمكن الجميع من الحديث مع الرفاق والرفيقات بكلماتهم، ولربما علينا اللقاء في مكانٍ فيه سجنٌ كبير جدًّا، فماذا لو قمعونا وسجنونا، فإن كان السجن كبيرًا لن نراكم الواحد فوق الآخر، فحتى لو كنّا مساجينًا، سنكون على الأقل منظّمين، وفي السجن يمكننا تنظيم لقاءٍ قارّيٍ آخر لأجل الإنسانية وضد النيوليبرالية، ولاحقًا سنخبركم ما وصلنا إليه لنصل إلى اتفاقٍ حول كيف سنصل إلى اتفاق. الآن وقد أدرجنا أفكارنا حول ما نود فعله في العالم، يتبع…

في المكسيك…

1. سنواصل قتالنا لأجل الشعوب الهندية في المكسيك، والآن ليس لأجلهم فقط ولا معهم وحدهم، بل لأجل كلّ مُستَغَلَّي المكسيك ومحروميها، معهم جميعًا وفي كافة أرجاء البلاد، وحينما نقول كل مُستغَلّي المكسيك، لا نستثني من ذلك إخوتنا وأخواتنا الذين ذهبوا إلى الولايات المتحدة بحثًا عن عمل لأجل البقاء.

2. سننصت إلى بسطاء المكسيك ومستضعفيها وسنتحدث إليهم مباشرةً دون وسيط أو تواسط، واستنادًا لما نسمع ونتعلم منهم، سنعمل على بناء برنامجٍ وطنيٍّ للنضال مع أمثالنا من البسطاء والمستضعفين، برنامجٌ صريحُ اليساريّة، أو مناهضٌ للرأسمالية، أو مناهضٌ للنيوليبرالية، أو مناصرٌ للعدالة والديمقراطية والحرية للشعب المكسيكي.

3. سنحاول بناء – أو ترميم – طريقةٍ أخرى لممارسة السياسة، طريقةٌ – نكرر – روحها روح خدمة الآخرين، دون مصالح مادية، بتضحية، وتفانٍ، وصدق، وحفظٍ للعهد، ومكافأتها الوحيدة هي الرضى بواجبٍ أدّي، أو مثلما فعل مناضلو اليسار سابقًا، حينما لم توقفهم اللكمات، أو السجون، أو المقابر، فما بالك بِضَعفٍ في وجه الدولار.

4. وسنعمل على إقامة نضالٍ للمطالبة بوضع دستورٍ جديد، قوانينُ جديدة تضع في عين الاعتبار مطالب الشعب المكسيكي، وهي: الإسكان، الطعام، العمل، التعليم، المعلومة، الثقافة، الاستقلال، الديمقراطية، العدالة، الحرية، والسلام. دستورٌ جديد يقر بحقوق الناس وحرياتهم، ويحمي الضعاف في وجه الأقوياء.

ولهذه الغايات. . .

سيرسل جيش زاباتيستا بعثةً من قيادته لأجل القيام بهذا العمل في شتى بقاع الأراضي الوطنية ولمدةٍ غير محددة من الزمن، وهذه البعثة الزاباتية، مع شخوص اليسار وتنظيماته المنضمين إلى الإعلان السادس لغابة لاكاندون، ستذهب إلى تلك الأماكن التي تلقت منها دعوةً صريحة.

ونحيطكم علمًا بأن جيش زاباتيستا سيؤسس سياسة تحالف مع التنظيمات والحركات غير الانتخابية التي تعرف نفسها – نظريًّا وممارسةً – كيسارية، بالشروط التالية:

ألا تعقد الاتفاقات من الأعلى وتفرض على القاعدة، بل أن تقام كمعاهدة تعاضد واستماع وتنظيمٍ للغضب. وليس الهدف بعث حركات تنتهي بالتفاوض من وراء ظهور من صنعوها، بل بأن توضع آراء المشاركين بعين الاعتبار دائمًا. وليس للسعي وراء الهدايا أو المناصب أو الامتيازات أو الحظوة من السلطة أو من يطمحون إليها، بل لتجاوز التقويم الانتخابي. وليس لمحاولة حسم مشاكل أمتنا من الأعلى، بل لأن نبني من الأسفل ولأجله بديلًا للدمار النيوليبرالي، بديلًا يساريًّا للمكسيك.

 نعم للاحترام المشترك للاستقلالية واستقلال التنظيمات، وأساليبها النضالية، وطرق تنظيمها، وعمليات اتخاذ القرار الداخلية، ولكياناتها التمثيلية الشرعية. ونعم للالتزام الواضح بالدفاع المشترك والمنسق عن السيادة الوطنية، مع معارضةٍ عنيدة لمحاولات خصخصة الكهرباء والنفط والماء والموارد الطبيعية.

بعبارةٍ أخرى، ندعو التنظيمات الاجتماعية والسياسية اليسارية غير المسجلة، وكل الشخوص المنتمين لليسار غير المنتمين للأحزاب السياسية المسجلة، بالتلاقي معنا، في مكان وزمان وعلى هيئة سنقترحها في الوقت المناسب، لتنظيم حملةٍ وطنية، تزور كافة أطراف وطننا، حيث ننصت لكلمات شعبنا وننظمها. إنها كالحملة، لكنها أخرى جدًّا، لأنها ليست انتخابية.

إخوتنا وأخواتنا:

هذه كلمتنا التي نعلنها:

في العالم، سنضم قوانا للنضالات المقاومة للنيوليبرالية والمناصرة للإنسانية.

وسوف ندعم هذه النضالات، وإن بما هو يسير.

وسوف نتبادل، باحترام مشترك، التجارب والتاريخ والأفكار والأحلام.

في المكسيك، سنجول كافة أطراف البلاد، عبر الخراب الذي خلفته الحروب النيوليبرالية وعبر تلك المقاومات المتخندقة حتى أزهرت في هذا الخراب.

سنسعى للبحث عن كل من يحبون هذه الأرض وسماءها مثلما نحب، وسنجدهم جميعًا.

وسنسعى من ها هنا، لا رياليداد، وحتى تيخوانا، لأن نجد كل من يود التنظيم، والنضال، وبناء ما قد يكون آخر أملٍ لهذه الأمة – التي استمرت على الأقل منذ حطّ صقر على صبّارةٍ ليلتهم ثعبانًا – لكيلا تموت.

نحن نعمل لأجل ديمقراطية وحرّية وعدالة لكل من حرم منها منّا.

نحن نعمل لأجل سياسةٍ مختلفة، لرنامجٍ لليسار ودستورٍ جديد.

نحن ندعو كافة الأهالي الأصليين، والعمّال، والفلّاحين، والمعلّمين، والطلبة، وربّات المنازل، والجيران، وصغار التجّار، وأصحاب المحلّات الصغيرة، والمتقاعدين، والمعاقين، ورجال ونساء الدين، والعلماء، والفنّانين، والمثقفين، والشباب، والنساء، وكبار السن، والمثليين والمثليات، الفتية والفتيات، ليشاركوا جميعًا – فرديًّا أو جماعيًّا – مباشرةً مع الزاباتيستا في هذه الحملة الوطنية لبناء طريقٍ أخرى لممارسة السياسية، لبرنامجٍ يساريٍّ للنضال الوطني، ولدستورٍ جديد.

وهذه هي كلمتنا حول ما نودّ فعله وكيف سننجزه، ولكم خيار الانضمام من عدمه.

نقول لكل الرجال والنساء طيّبي القلوب وصادقي النوايا، من هم في اتفاق مع هذه الكلمة التي أصدرناها، وليسوا خائفين، أو يخافون ولكنهم يضبطون هذا الخوف، أن يصرحوا علانيةً ما إذا كانوا في اتفاقٍ مع هذه الفكرة التي نقدمها، وبهذه الطريقة سنرى قَطعًا من وكيف وأين ومتى تخطى هذه الخطوة الجديدة من النضال.

وبينما تفكرون في ذلك، نخبركم اليوم، في الشهر السادس من عام 2005، أننا رجالُ ونساءُ وأطفال وشيوخُ جيش زاباتيستا للتحرير الوطني، ها قد قررنا الآن وانضممنا للإعلان السادس لغابة لاكاندون، وأن من يعرف كيف يوقع أسمه قد وقّع، ومن لا يعرف ترك علامةً، ومن لا يعرف أقل، لأن التعليم تقدم هنا في أراضي التمرد لأجل الإنسانية وضد النيوليبرالية، تحت سماء الزاباتيستا وفوق تربتها.

كانت هذه كلمتنا البسيطة أرسلناها إلى القلوب النبيلة للشعوب المستضعفة والبسيطة المقاومة ضد كل الظلم في هذا العالم والمتمردة ضده.

ديمقراطية!

حرية!

عدالة!

من جبال جنوب الشرق المكسيكي

اللجنة الثورية السرية للشعوب الأصلية – القيادة العامة لجيش زاباتيستا للتحرير الوطني

المكسيك، الشهر السادس، أو يونيو/حزيران، من عام 2005.

Share

No hay comentarios »

No hay comentarios todavía.

RSS para comentarios de este artículo.

Deja un comentario

Notas Importantes: Este sitio web es de la Comisión Sexta del EZLN. Esta sección de Comentarios está reservada para los Adherentes Registrados y Simpatizantes de la Sexta Declaración de la Selva Lacandona. Cualquier otra comunicación deberá hacerse llegar por correo electrónico. Para evitar mensajes insultantes, spam, propaganda, ataques con virus, sus mensajes no se publican inmediatamente. Cualquier mensaje que contenga alguna de las categorías anteriores será borrado sin previo aviso. Tod@s aquellos que no estén de acuerdo con la Sexta o la Comisión Sexta del EZLN, tienen la libertad de escribir sus comentarios en contra en cualquier otro lugar del ciberespacio.


Archivo Histórico

1993     1994     1995     1996
1997     1998     1999     2000
2001     2002     2003     2004
2005     2006     2007     2008
2009     2010     2011     2012
2013     2014     2015     2016
2017     2018     2019     2020
2021     2022     2023

Comunicados de las JBG Construyendo la autonomía Comunicados del CCRI-CG del EZLN Denuncias Actividades Caminando En el Mundo Red nacional contra la represión y por la solidaridad